ثقافيةمـنـوعــات

وأنت تتذكر أيام ما قبل الجائحة.. هل فكرت متى بدأ الناس يتناولون الطعام في المطاعم؟

وأنت تتذكر أيام ما قبل جائحة كورونا حيث كان بإمكانك تناول الطعام في المطاعم بكل بساطة. هل فكرت في تاريخ بداية هذه المطاعم؟ متى بدأ أول إنسان يأكل في مكان عام مخصص لتناول الطعام؟ يبدو أن هناك إجابات مثيرة للاهتمام عن هذا الموضوع.

 

أول مطاعم في التاريخ

وفقاً لإليوت شور وكايت راوسون، مؤلفي كتاب Dining Out: A Global History of Restaurants، فإن أولى بنايات المطاعم التي كان يسهل التعرف عليها ظهرت نحو عام 1100 ميلاديّاً في الصين، عندما زادت الكثافة السكانية في المدن الحضرية مثل كايفنغ وهانغتشو لأكثر من مليون نسمة.

أستاذ التاريخ في كلية برين ماور الأمريكية، إيلوت شور، أشار إلى أن ازدهار التجارة بين تلك العاصمتين الشمالية والجنوبية لسلالة سونغ الحاكمة في القرن الثاني عشر، وعدم اعتياد التجار الصينيين الذين يسافرون خارج مدينتهم على الأطعمة المحلية الغريبة كانت الدافع لبناء هذه المطاعم، وأضاف: “بإمكانك القول إن أول المطاعم كانت مطاعم عرقية”.

تلك المطاعم النمطية كانت موجودة في مناطق ترفيهية حيوية تقدم الطعام للمسافرين من أجل العمل، بجانب الفنادق، والبارات. ووفقاً للوثائق الصينية من تلك الفترة، فإن خيارات المطاعم المتنوعة في عشرينيات القرن الثاني عشر كانت شبيهة بالمناطق السياحية في القرن الحادي والعشرين. يقول شور: “تستطيع الذهاب لمطعم نودلز، أو مطعم ديم سوم، أو مكان ضخم يقدم الطبقين بشكل رائع، أو طبق التشوب سوي”.

بعد سنوات قليلة، ظهر الندل المدربون

وقد كانت تجربة الطعام في المطاعم الأكبر حجماً والأكثر ترفاً مشابهة لوقتنا الحالي إلى حدٍّ كبير. ووفقاً لمخطوطة صينية ترجع إلى عام 1126 ورد منها اقتباسات في الكتاب، فقد تمثلت مراسم الاستقبال في أحد المطاعم الشهيرة في “عرض” مختارات من الأطباق التي تمثل مئات الخيارات اللذيذة. وبعد ذلك يظهر فريق من النُدل المدربين جيداً بشكل استعراضي، وفق موقع History.

“أخذ الندل الطلبات، وبعدها وقفوا في صف قبالة المطبخ. وكلما أتى دور أحدهم، كان يصيح بالطلبات للعاملين في المطبخ. وكان يطلق على العاملين في المطبخ “سادة الأوعية” أو “مشرفو طاولات التجهيز”. وكان الطعام يُجهز خلال لحظات، ثم يوزع النادل الوجبات بذات ترتيب طلبها، حاملاً ثلاثة أطباق على يده اليسرى، وذراعه اليمنى محملة بعشرين طبقاً من كتفه وحتى راحته. ولم يكن مسموحاً بأي خطأ كان”.

اللمسة اليابانية

وفي اليابان، ظهرت ثقافة مطاعم فريدة مستمدة من تقاليد المقاهي اليابانية في القرن السادس عشر، وهي ما زالت سائدة في الحركات “الموسمية” و”المحلية” إلى يومنا هذا.

وقد ابتكر الطاهي الياباني سين نو ريكيو الذي عاش في القرن السادس عشر تقليد العشاء المكون من أكثر من طبق، والمعروف بـ”كايسيكي”، وكانت تُصمم فيه قائمة التذوق برمتها لتحكي قصة مكان وموسم معين. هذا، وقد طور أحفاد ريكيو التقليد ليتضمن أطباقاً مخصوصة وأدوات طعام تتناسب جماليّاً مع الطعام المقدم.

ومع أن هناك قروناً من التجارة بين الشرق والغرب، فليس هناك دليل على أن ثقافة المطاعم في الصين أو اليابان أثرت في المفاهيم الأوروبية عن المطاعم التي ظهرت بعدها بفترة.

وجبة منتصف النهار الجماعية

وفي الوقت نفسه تقريباً الذي كان الطهاه اليابانيون يبتكرون فيه تجارب طعام متكاملة الحواس، ساد تقليد منفصل في الغرب عُرف بالفرنسية بـ Table d’hôte، وهو عبارة عن وجبة ثابتة السعر تؤكل على طاولة مشتركة.

وقد يتشابه هذا النوع من الوجبات التي يتم تناولها مع الأصدقاء والغرباء مجتمعين وكأنهم عائلة مع واحدة من الأماكن العصرية الحالية التي تقدم الطعام من المزرعة إلى الطاولة، إلا أن شور يقول إنه لم يكن مطعماً حقيقيّاً لعدة أسباب.

أولاً، كان يُقدم وجبة واحدة يوميّاً في تمام الساعة الواحدة ظهراً. وإن لم تكن دفعت الثمن وأخذت مجلسك على الطاولة في تمام الواحدة، فلن تستطيع تناول الطعام. أيضاً، لم يكن هناك قائمة طعام أو اختيارات. بل كان الطاهي في النُزل أو الفندق هو من يقرر ما يُعدُّ ويُقدم، وليس الضيوف.

هذا، وقد ظهر التنوع على table d’hôte لأول مرة في القرن الخامس عشر، واستمر مع ظهور أوائل المطاعم. وفي إنجلترا، كان يطلق على الوجبات الجماعية للطبقة العاملة “ordinaries” أو “وجبات اعتيادية”، وكان مطعم Simposon’s Fish Dinner House أو “مطعم سيمبسون للأسماك” الذي تأسس عام 1714 يقدم “وجبة أسماك اعتيادية” شهيرة مقابل شلنين، تتكون من “اثني عشر محاراً، وحساء، وخردل مشوي، وثلاثة أطباق أخرى، ولحم الضأن والجبن”، وفقاً لكتاب Dining Out.

أول المطاعم الفرنسية كانت مطاعم المرق

تقول الأسطورة إن أولى المطاعم الفرنسية ظهرت في باريس بعد الثورة الفرنسية عندما كان الطهاة الذواقون الذين كانوا يعملون لدى الأرستقراطيين الذين قطعت رؤوسهم بالمقصلة يبحثون عن عمل. ولكن عندما بحثت المؤرخة ريبيكا سبانغ من جامعة إنديانا في تلك القصة الشهيرة لظهور المطاعم، اكتشفت شيئاً مختلفاً تماماً.

تُشتق كلمة restaurant من الفعل الفرنسي restaurer بمعنى “استعادة الذات”، وزُعم أن أول مطعم فرنسي حقيقي يفتح أبوابه قبل ثورة 1789 بعقود كان متجراً للأطعمة الصحية يبيع طبقاً رئيسيّاً واحداً: المرق. وكان الاسم الفرنسي لهذا النوع من مرق العظام المطهو ببطء هو bouillon restaurant بالفرنسية أو “المرق المنعش”.

وفي كتاب سبانغ بعنوان The Invention of the Restaurant: Paris and Gastronomic Culture، شرح لكون أول المطاعم الفرنسية ظهرت في ستينيات وسبعينيات القرن الثامن عشر، وأنها اعتمدت على الحساسية المتزايدة بين طبقة التجار الأثرياء في باريس في عصر التنوير.

تقول سبانغ: “لقد اعتقدوا أنه يمكن للمرء الحصول على المعرفة عندما يكون حساساً للعالم من حوله، ومن بين طرق إظهار الحساسية عدم تناول الأطعمة “الرديئة” التي يتناولها العامة. قد لا يكون لك أسلاف أرستقراطيون، ولكن يمكنك إثبات أنك لست فلاحاً عند الامتناع عن تناول الخبز البني، وعدم الاستمتاع بالبصل والنقانق، ولكن بطلب الأطباق الرقيقة”.

المرق يتناسب مع هذا بالضبط، فقد كانت جميع مكوناته طبيعية، وكان سهل الهضم ومليئاً بالمغذيات المنشطة. ولكن سبانغ تعزي نجاح مطاعم المرق الأولى ونموها السريع ليس لما كانت تقدمه فحسب، بل وإلى كيفية تقديمه أيضاً.

فتقول سبانغ: “ابتكر أصحاب المطاعم تقليد نموذج الخدمة الموجود بالفعل في ثقافة المقاهي الفرنسية؛ إذ جلس الزبائن على طاولات صغيرة بحجم طاولات المقاهي. وكان لديهم قوائم مطبوعة يختار الناس منها الأطباق، على العكس من فرض الوجبة عليهم قائلين “هذا ما نقدمه للغذاء اليوم”. كما كانوا أكثر مرونة في الساعات التي يقدمون فيها الوجبات، فلم يكن على الجميع الوصول إلى المكان في الواحدة ظهراً وتناول الطعام المتاح على الطاولة”.

وبمجرد انتشار مطاعم المرق، سرعان ما ظهرت أشياء جديدة في قوائم الطعام؛ مثل النبيذ مثلاً أو بعض الدجاج المطهي. وبحلول أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، تطورت مطاعم المرق المعنية بالصحة لتصبح أول مطاعم باريسية كبيرة؛ مثل Trois Freres، وLa Grande Tavene de Londres التي غدت بمثابة النموذج الأصلي للمطاعم الراقية في القرن التالي.

وكما يتضح من تاريخ المطاعم في الصين وفرنسا كلتاهما، فإنه لا يمكن أن تظهر المطاعم إلا في وجود عدد كبير من سكان المدن الجياع. وهكذا، فإنه من المنطقي أن يفتتح أول مطعم فاخر في أمريكا بمدينة نيويورك في القرن التاسع عشر (فتح مطعم Delmonico’s أبوابه عام 1837) مع ازدحام المدينة، وتوالت افتتاحات المطاعم في معظم مدن العالم المزدحمة إلى أن انتشرت بالشكل الذي نعرفه حالياً.

 

عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى