مقالات و أراء

وماذا بعد اعلان الحرب الاقتصادية على تركيا، وهل من سبيل للخروج منها؟

تتسارع الاحداث وتتسارع معها التصريحات الصادرة من كلا الطرفين التركي والأمريكي حول العلاقات التركية الامريكية التي دخلت منعطفاً جديداً بعد التصعيد بين البلدين، وظاهره هو قضية القس الأمريكي أندرو برونسون، فبعد تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب والتي أعلن فيها عن مضاعفة الرسوم على الصلب والألومنيوم المستورد من تركيا، لتصبح نسبة الرسوم على الألومنيوم 20% وعلى الصلب ستصبح 50%” مضيفاً على ذلك بقوله: “علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في الوقت الحاضر”.                          

في المقابل صرح السيد اردوغان ان ما يحدث هو حرب اقتصادية تشنها الولايات المتحدة على تركيا، ودعى الشعب التركي لمواجهتها قائلاً:” الدولار الأمريكي لن يقطع طريقنا وسوف نرد بعملتنا الوطنية على الأطراف التي شنت هذه الحرب علينا، وان أفضل رد على التحديات التي تواجهها البلاد هو زيادة الإنتاج والصادرات والتوظيف”، وحتى ان زعيم الحزب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو وهو زعيم أكبر أحزاب المعارضة رفض تهديدات ترامب وقال: كل تغريده لترامب (بحق تركيا) تمس كرامة شعبنا، وهذا أمر غير صائب، ولا نقبله إطلاقا.. كما لا نقبل من دولة نعدها حليفة لنا أن تتعامل مع تركيا بأسلوب عدائي. كل ذلك تزامن مع بدء تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات الاقتصادية على إيران، وقد سبقت هذه العقوبات أخرى مماثلة مع كل من روسيا والصين.                                                                  

تركيا تشهد اليوم الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة والدول الغربية عليها لأن هذه الدول لا تريد أن ترى أي دولة إسلامية مستقلة في قرارها السياسي، ومع كل الأسف لم نرى لحد الان موقف عربي واسلامي واضح من هذه الحرب التي تقف تركيا لوحدها في مواجهتها، وكانت ردة فعل الدولة التركية هي ان هذه العقوبات ستؤدي الى الاضرار بالروابط بين البلدين العضوين في حلف الناتو، وأنها ستواصل الرد على الرسوم الجمركية الامريكية، أما ما يخص هبوط سعر صرف الليرة التركية فان لها ابعاداً سياسية تفوق الابعاد الاقتصادية ، فبعدما عجز الامريكان عن اخضاع الإرادة التركية سياسياً، فانهم يحاولون اخضاعها عن طريق الاقتصاد. ترامب ومنذ ان أصبح رئيساً للولايات المتحدة فإنه يحاول تفريغ الكيانات الاقتصادية والسياسية في العالم من مضمونها وخاصة التي تتمتع باستقلالية عن القرار الأمريكي، ويمكن ملاحظة السياسة العدائية والتي أصبحت من ملامح السياسة الخارجية التي تبناها ترامب هذا العام مع العديد من الدول، فالحرب التي تم إعلانها على تركيا والتي تزامنت مع حزمة العقوبات على ايران وما سيتبعها من تداعيات على روسيا التي لها علاقات اقتصادية مع ايران وفي مقدمتها استيراد النفط الإيراني، أدت هذه الحرب الى زعزعة الثقة بالسوق التركية من قبل المستثمرين، وخاصة بعد التهديدات الامريكية بفرض عقوبات يمكن ان تطال قطاعات مالية ومصرفية تركية.             

بعد كل الذي تم عرضه آنفاً، فهل يا ترى هل ان تركيا تمتلك خياراتٍ لمواجهة هذه الحرب التي تشنها أمريكا؟، والجواب على ذلك هو: نعم توجد خيارات كثيرة وعديدة لتركيا سياسية واقتصادية ودبلوماسية تمكنها من تجاوز هذه الحرب ومنها: التغلب على مشاكل هبوط سعر صرف الليرة من خلال بث عوامل ثقة المواطنين بعملتهم، واعتبار المحافظة على وضع الليرة هو واجب شرعي ووطني، والتعامل مع هذه المشاكل من خلال تدخل المؤسسات الاقتصادية المعنية، وان عدم تدخلها الى الان ناتج من قناعة هذه المؤسسات أن حجم المشكلة ناتج عن تصعيد سياسي وليس اقتصادي، وقد لاقت دعوة السيد اردوغان للمواطنين الاتراك بتحويل مقتنياتهم من العملات الأجنبية الى الليرة التركية نوعاً من التعاطف من قبل المواطنين، ويمكن لتركيا ايضاً الوصول الى تفاهمات مع الشركاء وهم إيران وروسيا وحتى الصين لكي يتوحدوا لمواجهة سياسة ترامب الجنونية، ومن المحتمل ان يلتقي الرئيس اردوغان بالرئيس الروسي قريباً لإعداد خطة للمرحلة القادمة وبحث كل الطرق التي تؤدي الى التصدي للحرب الامريكية، واذا ما نجحت تركيا بتشكيل تكتلات جديدة مع كل من روسيا والصين وايران، فيمكن ان يعيد الأمور الى طبيعتها، خاصة ان هناك جهات سياسية في أمريكا لديها اعتراضات وتحفظات على إدارة الرئيس الأمريكي للسياسة الخارجية والتي يزداد كل يوم عدواً من الدول، وهناك ورقة ضغط أخرى لدى تركيا وهي اذا اتجهت لشراء الأسلحة والمعدات من روسيا او الصين او حتى من بعض الدول الاوربية فان واشنطن ستكون هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب.                                                                          

 

 وكما أشرنا سابقاً فأن هذه الحرب هي جزء من مخطط أمريكا لوأد كل التجارب الديمقراطية الحديثة التي يمكن ان تهدد المصالح الامريكية في المنطقة، في حين ان أمريكا تحتاج لحلفاء تابعين لها وينفذون أوامرها بدون مناقشة، ولكي يحتفظ هؤلاء الحلفاء بكراسيهم ومناصبهم والتي ستزول حتماً في يوم ما.

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى