مقالات و أراء

يمكن أن يطلق صاروخ بالخطأ أو تصطدم سفينتان حربيتان سيعرف العالم كيف يوقف أمريكا وإسرائيل

يمكن أن تصل الحرب التجارية المندلعة بين الولايات المتحدة والصين إلى عواقب وخيمة للغاية. وإن بدت هذه الحرب قاصرة على العلاقات الاقتصادية بين العملاقين، فإن العالم يشهد – في الواقع – معركة قوى اقتصادية وسياسية وعسكرية على المستوى العالمي. وهو إشارة على تضخم أزمة سيجتاح تأثيرها العالم بأسره. ولهذا السبب تحديدا فإن التهديدات الأمريكية التي تستهدف الأغلبية الساحقة من دول العالم، الحليفة منها والعدوة، بمن في ذلك تركيا، ربما تفضي إلى نتائج مقلقة بالنسبة للإنسانية جمعاء.

لقد فقدت الولايات المتحدة طموحاتها العالمية وأسسها الأخلاقية، ولهذا فربما تقدم على أي نوع من أنواع الجنون، وربما تتحرك كل خطوط الصدع ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في مناطق شاسعة من العالم بدءا من أوروبا الشرقية والبلقان وصولا إلى آسيا والمحيط الهادئ لتتحول إلى ساحات صراع شرس. فالعالم الذي يتورط في الأزمة السورية حاليا ربما يواجه في المستقبل القريب إعلان “حالة حرب” في العديد من بلدانه. بل والأدهى من ذلك أن الحرب هذه المرة لن تندلع داخل البلدان الواقعة ضحية صراع القوى بين “الدول المركزية”، بل بين الدول المركزية بشكل مباشر.

يمكن أن يطلق صاروخ بالخطأ أو تصطدم سفينتان حربيتان

لا أدري إن كان اقتراب السفن الحربية الأمريكية والصينية إلى حد الاصطدام في مياه بحر الصين الجنوبي ليس كافيا لإخبار العالم بشيء ما؟ ألا يخبرنا تكرار حوادث تعدي المقاتلات البريطانية والروسية على بعضها بعض في بحر البلطيق بشيء؟ وربما تصطدم غدا السفن الحربية البريطانية والروسية في بحر البلطيق، وربما يحدث هذا في شرق المتوسط.

أو ربما يطلق صاروخ بالخطأ في كل هذه الأقاليم أو تقع “حادثة” سفينة حربية أو يحدث “هجوم إرهابي” ضخم في إحدى العواصم الغربية يؤدي إلى إجبار عدة دول على التحرك، يعقب ذلك حالة من الحذر والتأهب تسيطر على العالم بأسره.

إنها عاصفة عاتية: لقد بعثرت الطاولات

إن عاصفة عاتية على وشك الاقتراب، وللأسف لم يعد هناك أي آلية دولية قادرة على تغيير مسار هذه العاصفة وتهدئة القوى العالمية التي تختبر قدرات بعضها من خلال الحروب التجارية. لقد بعثرت كل الكيانات فوق القومية أو حرمت من تأثيرها، كما علقت معظم المعاهدات الدولية.

لقد تخلصت دول العالم من كل شيء متعلق بالحوار والتصالح على المستوى الفردي والعالمي، كما بعثرت الطاولات. وحينها بدأت كل دولة تتحرك في إطار محور طموحاتها الشخصية، وبرزت في المقام الأول مسألة تسمم القوى وحالة انعدام الثقة التي تشعر بها تلك الدول في أعماق ذاتها. وعندما اتحدت هاتان الوضعيتان، بدأ الخطر يضع العالم بأكمله تحت تأثيره.

كلمات لا تقال حتى خلال الحرب:

إنه انهيار إمبراطورية

لقد زادت حدة اللغة السياسية المستخدمة بين الدول، لا سيما بعد وصول ترامب إلى السلطة لدرجة أن تلك التصريحات لا تقال حتى خلال الحرب. وبالرغم من أنهم يقولون إن ذلك متعلق بـ”عدم اتزان” ترامب، فإن ها – في الحقيقة – شكل من أشكال تعريف الولايات المتحدة لنفسها من جديد.

لقد خسرت واشنطن طموحاتها العالمية وفقدت رصيدها من الثقة واتجهت بالكامل إلى الطغيان. ولن تتمكن الولايات المتحدة من الآن فصاعدا أن تمتلك طموحا عالميا مهما فعلت. وإن تصفية الحسابات التي تخوضها اليوم مع الصين ما هي إلا رمزا، وسرعان ما ستدخل في صراع في المستقبل القريب مع دول العالم المركزية وجميع دول الصف الثاني، وهو ما سيزيد من سرعة انهيار الإمبراطورية الأمريكية.

“رجل مريض” يجر العالم بأسره نحو الهاوية

إن الهجوم الاقتصادي الذي يستهدف تركيا هو جزء من تصفية الحسابات هذه؛ إذ بدأت الهجمات الأمريكية في اللحظة التي تخلصت فيها أنقرة من الوصاية التي استمرت قرنا من الزمان لتختار طريقها. وهذا هو سبب محاولات حصارنا من شمال سوريا والمحاولات الانقلابية في الداخل. سيستمر التفكك وستشتد وطأة الصراع. لكن هذا ليس كفاح تركيا وحدها، بل إننا أمام إجماع دولي على تحجيم قدرات واشنطن.

إننا أمام “رجل مريض” يهدد بالحصار دولة كالهند يعتبرها حليفا في مواجهة الصين وروسيا، ويصرح بأنه قادر على ضرب منشآت إنتاج الصواريخ الروسية، ويريد تحويل الحرب التجارية مع الصين بسرعة إلى صراع في بحر الصين الجنوبي، ويبتز ممولا إقليميا مثل السعودية بقوله “اعطنا المزيد من المال وإلا سيسقط نظامك خلال أسبوعين”، ويقيم جبهة شرق الفرات لمهاجمة تركيا، بل حتى تهديد حلفاءه الأوروبيين الذين يمتنعون عن تقديم الدعم له. فذلك الرجل المريض يتعاون مع إسرائيل في محاولة منه لجر العالم باسره نحو الهاوية.

سيعرف العالم كيف يوقف أمريكا وإسرائيل

لا أعلم مدى إدراكنا لهذا الخطر وهذه العاصفة التي تقترب وإلى أين يسير العالم. فالتوتر يزداد بمرور الأيام، وتزيد حدة لغة التهديد بمرور الوقت، وتظهر أفعال أكثر خطورة تدل على محاولة جميع البلدان قياس قدرات بعضها بعض.

وأسوأ ما في الأمر أنه لم يعد هناك أي تفاؤل حول تعديل هذه الأوضاع. وأعتقد أن العالم سيحتاج معادلة قوة مختلفة تماما لكبح جماح أمريكا وإسرائيل، وسيكون لزاما عليه اتخاذ خطوات جادة في هذا الاتجاه.

الحروب التجارية وتصادم سفينتان حربيتان!

إننا نعيش في عصر الجنون وفقدان السيطرة. ثمة خطوات يشهدها العالم ستنزع فتيل معركة القيامة من أجل المصادر والأسواق والأمن. وربما يكون هذا الكلام مبالغة بالنسبة لمن لا ينظرون إلى أي دولة سوى تركيا ولا يرفعون رؤوسهم ليروا ماذا يحدث حولهم.

صحيح أن العالم شهد أوقاتا كهذه، لكن حينها كان التوتر متركزا في مناطق بعينها، مثل العراق وسوريا وفلسطين أو أي منطقة أخرى من العالم. وأما الآن فإننا أمام حالة من التوتر المنتشر في شتى بقاع المعمورة، وهو ما يكشف النقاب عن وخامة هذا الخطر. فلا يعلم أحد ماذا يمكن أن يحدث بعد يوم أو أسبوع من الآن.

لقد أوقفت الصين جميع مشترياتها من النفط وهي ثاني أكثر دولة تشتري النفط بعد الولايات المتحدة، وفي اللحظة ذاتها أصبحت سفينتان حربيتان من الجانبين على وشك التصادم. والآن تبدأ واشنطن مناورات عسكرية ضخمة في المنطقة نفسها. وهذا ما تعنيه الحرب التجارية.

الشهداء الأتراك السبعة وشرق الفرات والهجوم الاقتصادي: كلها عناصر الحساب ذاته

ستتحول الحروب التجارية إلى تحللات جيوسياسية وصراعات كبرى من أجل القوة، كما ستمهد الطريق أمام صراعات خطيرة في المناطق الحساسة من خريطة القوى العالمية، وسيكون الصراع من أجل المصادر والأسواق من خلال الجيوش والصواريخ. ستتحول الجيوش إلى القوى الاستطلاعية والأدوات الاستثمارية للشركات. وإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، سنعلم أنه من المحتمل جدا أن نستيقظ ذات صباح لنرى عشر دول وقد دخلت في صراع عسكري.

إن تركيا دولة تقع في مركز تصفية حسابات كهذه. ولهذا فهي تتعرض لهجمات اقتصادية شرسة، ولهذا أيضا فإن الكفاح الذي تخوضه تركيا لا يقتصر على الديناميات الداخلية وحسب. لقد استشهد سبعة من جنودنا البواسل أمس في ولاية باطمان. ونحن منذ أيام نحذر من منطقة شرق الفرات. فكل هذا وكذلك الهجمات الاقتصادية جزء من الحساب ذاته.

الوقوف في وجه العاصفة العاتية:

تأهب في الداخل والخارج

ولهذا السبب نقول إن التدخل في شرق الفرات يعتبر كفاحا وطنيا مهما كلف الأمر، ونعتقد أن أفضل رد على الهجوم الاقتصادي سيكون في هذه المنطقة. ولهذا أيضا إننا ننظر بعين الريبة إلى كل موقف يهدف للنيل من كفاح تركيا الكبير، ونعتقد أن تصفية الحسابات الأساسية ليست في منطقة الشرق الأوسط، بل على خط شرق وغرب أوروبا وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

يجب على تركيا وشعبها الاستعداد لمواجهة هذه العاصفة العاتية. علينا أن نطلق حملة دفاعية عامة استثنائية. فالهجمات التي تأتينا اليوم من شرق المتوسط وسوريا ستأتينا غدا كذلك من مناطق أخرى. وإن الكفاح والمقاومة التي نخوضها في الداخل إنما هي كفاح ضد هذه العاصفة العاتية.

أشاطركم ما أراه، وأقول لكم كونوا مستعدين في كل المجالات، ذلك أن العالم على أهبة الاستعداد.

ابراهيم قراغول – يني شفق

زر الذهاب إلى الأعلى