مقالات و أراء

00 عام على تأسيس الجمهورية.. كيف تحولت تركيا إلى قوة عالمية؟

احتفلت تركيا أمس بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، الذي خاض ورفاقه حرب الاستقلال ضدّ الاستعمار الغربي المتمثل في (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان) في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

احتفلت تركيا أمس بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، الذي خاض ورفاقه حرب الاستقلال ضدّ الاستعمار الغربي المتمثل في (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان) في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ليعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1923 عن قيام الجمهورية، متخذاً من شعار “السيادة ملك للأمة دون قيد أو شرط” أساساً لبناء دولة حرّة ومستقلة.

المتابع لمسيرة تركيا خلال الأعوام المئة عام الماضية يراها حافلة بالأحداث والتحولات الكبيرة على المستوى الداخلي والخارجي، إذ يرى كثير من المراقبين أنّ الهدف العام للسياسة التركية كان العمل على استعادة قوتها ومكانتها الطبيعية بين الدول، وإظهار الجمهورية التركية كوريث قوي للإمبراطورية العثمانية التي حكمت مساحات واسعة من العالم لنحو 600 عام.

تحولات سياسية

شهد القرن الماضي من تاريخ تركيا كثيراً من التحولات السياسية التي تنوعت بين الانقلابات العسكرية ومحاولات الوصول إلى حكم ديمقراطي مدني تعددي، فقد عقّدت الانقلابات العسكرية مسيرة الجمهورية وأربكتها، إذ كانت تركيا عُرضة لخمسة انقلاب عسكرية في العقود الستة الأخيرة.

وبعد انتهاء الخلافة العثمانية، وتسلم مصطفى كمال أتاتورك الحكم عام 1923، دخلت تركيا ما تُسمى مرحلة حكم الحزب الواحد وهو حزب “الشعب الجمهوري” الذي أسسه أتاتورك، واستمر هذا النمط من النظام حتى عام 1950، إذ شهدت تركيا بداية الانفتاح الديمقراطي والتعددية الحزبية مع مجيء عدنان مندريس وحزبه “الديمقراطي”، كما يوضح البروفيسور برهان كور أوغلو، المحاضر في معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة مرمرة.

ويضيف كور أوغلو لـTRT عربي، أنّ هذا التحول الديمقراطي، والإصلاحات التي نفّذتها حكومة مندريس لم ترقَ إلى الهيمنة العسكرية والنظام البيروقراطي، فكان أول انقلاب عسكري عام 1960.

وبعد ذلك توالت الانقلابات العسكرية في البلاد، ابتداءً من عام 1971 الذي عُرف بـ”انقلاب المذكّرة”، إلى انقلاب عام 1997 على نجم الدين أربكان، وكان من أشهر الانقلابات في تلك العقود انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان أورن، حيث حُلَّ إثره البرلمان وتوقف العمل بالدستور وأُغلِقت الأحزاب السياسية، كما شهدت الفترة التي أعقبت الانقلاب حالة قمع سياسي غير مسبوقة واضطرابات قُتل فيها الكثير واعتُقل الآلاف.

وحول ذلك، يرى كور أوغلو أنّ الشعب التركي قبل تسلم حزب “العدالة والتنمية” للحكم عام 2002، كان يشعر بأنّ هناك وصاية عسكرية وبيروقراطية على النظام البرلماني، من خلال تكرار الانقلابات العسكرية على الحكومات المدنية.

ويلفت البروفيسور كور أوغلو إلى أنّ حزب “العدالة والتنمية” بقيادة الرئيس أردوغان، بدأ يُحدث تغييرات نوعية في النظام التركي، من أهمها تقليص تدخل العسكر في النظام.

من ناحيته يؤكد المحلل السياسي التركي عبد الحميد قطب أوغلو، أنّ تركيا دخلت بعد عام 2002 مرحلة سياسية جديدة هي الأفضل في تاريخها الحديث.

ويوضح قطب أوغلو في حديثه مع TRT عربي، أنّ حزب “العدالة والتنمية” أصبح أنموذجاً للعمل السياسي والحزبي، إذ اعتمد على مشاركة الشارع التركي مباشرةً في قرارات النظام الحاكم قبل إصدارها وإقرارها، من خلال التشاور واستطلاع الآراء والأفكار، واعتماد الأفكار البنّاءة وتسخير الإمكانات لتنفيذها.

يُذكر أنّه من أبرز الإصلاحات السياسية كان تحوّل تركيا في عهد الرئيس أردوغان من النظام البرلماني إلى نموذج النظام الرئاسي وذلك في عام 2017، أي بعد عام على الانقلاب الفاشل، الذي قادته منظمة فتح الله غولن الإرهابية.

وتضاف إلى ذلك مساعي إعداد دستور جديد للبلاد، وهذا ما أكده الرئيس أردوغان بقوله: “لم نتخلَّ عن هدفنا المتمثل في إعداد دستور جديد، ديمقراطي ومدني وشامل لبلادنا”.

على المستوى الاقتصادي

تحتل تركيا اليوم مكانة متقدمة ضمن مجموعة الدول العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، إذ حقق الاقتصاد التركي نمواً بنحو 3.8% في الربع الثاني من العام الحالي، ليسجل ثاني أعلى نمو اقتصادي بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والثالث بين دول مجموعة العشرين الاقتصادية.

إلا أنّ هذا التقدم الاقتصادي، وتحول تركيا إلى قوة اقتصادية عالمية مرّ بمراحل متنوعة أساسية خلال القرن الماضي، حسب البروفسور كور أوغلو، الذي يقول إنّ الاقتصاد التركي في بدايات تأسيس الجمهورية كان اقتصاداً زراعياً، يقوم على دعم الزراعة والصناعات المحلية، ثم بدأت تركيا تطوير القطاع الصناعي والتكنولوجيا، لا سيّما خلال فترة حكومة نجم الدين أربكان (1996- 1997)، وحكومة تورغوت أوزال (1983- 1993)، الذي عمل على انفتاح الاقتصاد على الأسواق العالمية.

أما الانتقالة النوعية التي شهدها الاقتصاد التركي، فكانت حسب المحلل السياسي قطب أوغلو، في فترة حكم “العدالة والتنمية” بقيادة الرئيس أردوغان، الذي اعتمد على سياسات اقتصادية مميزة؛ كالانفتاح على الدول الاقتصادية، وإقامة شراكات اقتصادية مهمة، وتشجيع عودة العقول من المفكرين والخبراء من الخارج.

ويضيف قطب أوغلو أنّ هذه السياسات المنفتحة أدت إلى جلب استثمارات، سواء من المستثمرين العرب أو من الدول الإسلامية، وهذا ما أحدث طفرة كبيرة شهدتها تركيا في المرحلة الماضية على المستويات كافة؛ الصناعية والزراعية والتجارية.

إلى جانب ذلك، هناك كثير من العقبات والتحديات التي واجهت الاقتصاد التركي بشكل عام خلال القرن الماضي، منها التضخم الذي ارتفع على أساس سنوي خلال أغسطس/آب 2022 إلى 80.21%، إضافةً إلى محاربة تركيا من الدول الغربية والدول التي ترى في تركيا دولة منافسة لها.

وفي هذا الصدد، يبيّن البرفسور كور أوغلو أنّه دائماً توجد محاربة للعملة التركية وللتصنيف الائتماني لتركيا، إضافةً إلى محاولة فرض عقوبات اقتصادية أمريكية وأوروبية على الاقتصاد التركي.

كانت الاستثمارات الأجنبية في تركيا خلال العام الماضي قد بلغت 13.3 مليار دولار، ومن المتوقع أن تحطم تركيا خلال العام الجاري 2023 أرقام الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى البلاد خلال العام الماضي، مع تسارع وتيرة الاستثمار ونمو الاقتصاد المحلي.

تقدم عسكري

جاءت التطورات التي شهدها المجال العسكري التركي، سواء من حيث الصناعات الدفاعية أو من حيث العمل على استعادة تركيا موقعها العسكري القوي بين دول العالم، نتيجة طبيعية لتراكم الإنجازات السياسية والاقتصادية في تركيا خلال 100 عام من قيام الجمهورية.

وتعود بداية المحاولات التركية في الصناعات الدفاعية إلى عام 1974، إثر الخلاف بشأن قضية قبرص وإطلاق تركيا عملية عسكرية في الجزيرة باسم “عملية السلام”، وقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا حظراً لتصدير السلاح بين عامَي 1975 و1978.

وكان هذا الحظر -حسب البروفيسور كور أوغلو- درساً مهماً دفع أنقرة إلى وضع خطط لتطوير صناعتها العسكرية بوتيرة سريعة؛ وذلك بهدف التخلص من التبعية الغربية في مجال التصنيع العسكري.

ويضيف كور أوغلو، أنّ تركيا بدأت منذ 10 سنوات تقريباً بتطوير صناعتها العسكرية، إذ وصلت إلى مستوى متقدم جداً في هذا المجال، وأصبحت عالمياً في مقدمة الدول المصدرة لبعض الأسلحة، مثل الطائرات المسيرة “بيرقدار”، إضافةً إلى تطوير الكثير من المنظومات الدفاعية.

وأكد الرئيس أردوغان في 29 سبتمبر/أيلول الماضي -في افتتاحه مهرجان “تكنوفيست” لتكنولوجيا الطيران والفضاء- على أنّ بلاده تهدف لأن تتجاوز صادراتها من منتجات الصناعات الدفاعية 6 مليارات دولار.

وفي السياق، أشار أردوغان إلى تطور صناعة السفن الحربية التركية، ودخول السفينة “تي سي جي الأناضول” المحلية التي تعدّ أول حاملة مسيرات في العالم، إلى الخدمة ورفعها العلم التركي، ما يبعث على الافتخار.

وأدى هذا التطور في الصناعة العسكرية لأن تصبح تركيا مصدراً أساسياً لتسليح بعض الجيوش في العالم، إذ إنّ هناك ما يقارب 70 دولة تستورد الأسلحة التركية، ويلفت قطب أوغلو إلى أنّ ذلك كان نتيجة جهد من القيادة التركية بأن تكون تركيا رقماً صعباً في المعادلة الدولية والإقليمية.

وكان وزير الدفاع التركي السابق خلوصي أكار، قد أكد في وقت سابق أنّ تركيا تهدف لإنتاج قرابة 80% من صناعاتها الدفاعية، بإمكانات محلية ووطنية، بحلول عام 2023.

وزاد الإقبال الدولي على الصناعات الدفاعية التركية بفضل قدرتها على إثبات نجاحها على الأرض وفي المعارك، وبفضل أسعارها التنافسية مقارنةً مع أسعار المنتجات المشابهة في البلدان التي تنشط في هذا المجال.

الكاتب: الصحفي السوري باسل المحمد

زر الذهاب إلى الأعلى