ثقافيةروائع التاريخ العثماني

10 فبراير .. ذكرى وفاة “عظيم الدولة العثمانية” السلطان “عبد الحميد الثاني”

يحيي الأتراك اليوم؛ ذكرى وفاة السلطان عبد الحميد الثاني عام 1918، خليفة المسلمين الثاني بعد المئة، والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، حيث أُقيمت عدة فعاليات ثقافية في أماكن مختلفة من أنحاء تركيا.

ويحضى السلطان عبد الحميد الثاني الذي تولى الحكم في (10 شعبان 1293هـ – 31 أغسطس 1876)، بمحبة واهتمام الأتراك. وعُزل السلطان بانقلابٍ في (6 ربيع الآخر 1327هـ – 27 أبريل 1909) ، ووُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى مماته.

حياته ونشأته

ماتت والدة السلطان عبدالحميد وهو في العاشرة من عمره، فاعتنت به الزوجة الثانية لأبيه وكانت عقيماً. فأحسنت تربيته وحاولت أن تكون له أماً، فبذلت له من حنانها كما أوصت بميراثها له. وقد تأثر السلطان عبدالحميد بهذه التربية وأعجب بوقارها وتدينها وصوتها الخفيض الهادئ، وكان لهذا انعكاس على شخصيته طوال عمره.

تلقى السلطان عبد الحميد تعليماً منتظماً في القصر السلطاني على أيدي نخبة مختارة من أشهر رجالات زمنه علماً وخلقاً. وقد تعلم من اللغات العربية والفارسية ، ودرس التاريخ وأحب الأدب، ونظم بعض الأشعار باللغة التركية العثمانية.

وتدرب على استخدام الاسلحة وكان يتقن استخدام السيف، وإصابة الهدف بالمسدس، ومحافظ على الرياضة البدنية، وكان مهتماً بالسياسية العالمية ويتابع الأخبار عن موقع بلاده منها بعناية فائقة ودقة ناردة.

وقد قام السلطان عبد الحميد بعدة إصلاحات داخلية كـتعريب الدولة، ومنذ توليه الحكم، كان يرى ضرورة اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للدولة العثمانية. وفي هذا يقول: (اللغة العربية لغة جميلة. ليتنا كنا اتخذناها لغة رسمية للدولة من قبل. لقد اقترحت على (خير الدين باشا التونسي- عندما كان صدراً أعظم أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، لكن سعيد باشا كبير أمناء القصر أعترض على اقتراحي هذا. وقال : (إذا عرّبنا الدولة فلن يبقى -للعنصر التركي- شيء بعد ذلك.

في عهد والده السلطان عبدالمجيد، وفي عهد عمه السلطان عبدالعزيز، أو في عهده هو. لم يقتصر الأمر في معارضة اقتراح السلطان عبدالحميد بتعريب الدولة العثمانية على الوزراء المتأثيرن بالغرب فقط: بل تعداه الى معارضة من بعض علماء الدين.

عندما تولى السلطان عبدالحميد السلطنة رأى أن المدارس، ونظام التعليم، أصبح متأثراً بالفكر الغربي، وأن التيار القومي: هو التيار السائد في هذه المدارس، فتدخل في شؤونها ووجّهها -من خلال نظرته السياسية- الى الدراسات الاسلامية. فأمر بالآتي:

– استبعاد مادة الأدب والتاريخ العام من البرامج الدراسية لكونها وسيلة من وسائل الأدب الغربي، والتاريخ القومي للشعوب الأخرى مما يؤثر على أجيال المسلمين سلباً.

– وضع دروس الفقه والتفسير والأخلاق في برامج الدراسة.

– الاقتصار فقط على تدريس التاريخ الاسلامي بما فيه العثماني.

وجعل السلطان عبدالحميد مدارس الدولة تحت رقابته الشخصية ووجهها لخدمة الجامعة الاسلامية.

وأهتم بالمرأة وجعل للفتيات داراً للمعلمات ومنع اختلاطهنّ بالرجال، وفي هذا يذكر السلطان في معرض الدفاع عن نفسه أمام اتهام جمعية الإتحاد والترقي له بأنه عدو العقل والعلم بأنه : (لو كنت عدواً للعقل والعلم فهل كنت أفتح الجامعة؟ لوكنت هكذا عدواً للعلم ، فهل كنت أنشئ لفتياتنا اللواتي لا يختلطن بالرجال ، داراً للمعلمات؟!).

وقام بمحاربة سفور المرأة في الدولة العثمانية، وهاجم تسرب أخلاق الغرب، الى بعض النساء العثمانيات.

عمل السلطان عبدالحميد على كسب الشعوب الاسلامية عن طريق الاهتمام بكل مؤسساتها الدينية والعلمية والتبرع لها بالأموال والمنح ورصد المبالغ الطائلة لاصلاح الحرمين وترميم المساجد وزخرفتها وأخذ السلطان يستميل إليه مسلمين العرب بكل الوسائل فكون له من العرب حرساً خاصاً وعين بعض الموالين له منهم في وظائف كبرى منهم (عزت باشا العابد) -من أهل الشام- الذي نجح في أن ينال أكبر حظوة عند السلطان عبدالحميد وأصبح مستشاره في الشؤون العربية. وقد لعب دوراً هاماً في مشروع سكة حديد الحجاز الممتدة من دمشق الى المدينة المنورة وهو بهذا المشروع الذي اعتبره السلطان عبدالحميد وسيلة من والسائل التي أدت لأعلاء شأن الخلافة ونشر فكرة الجامعة الاسلامية.

وأبدى السلطان عبدالحميد اهتماماً بالغاً بإنشاء الخطوط الحديدية في مختلف أنحاء الدولة العثمانية مستهدفاً من ورائها تحقيق ثلاثة أغراض هي:

ربط أجزاء الدولة المتباعدة مما ساعد على نجاح فكرة الوحدة العثمانية والجامعة الاسلامية والسيطرة الكاملة على الولايات التي تتطلب تقوية قبضة الدولة عليها.

إجبار تلك الولايات على الإندماج في الدولة والخضوع للقوانين العسكرية التي تنص على وجوب الاشتراك في الدفاع عن الخلافة بتقديم المال والرجال.

تسهيل مهمة الدفاع عن الدولة في أية جبهة من الجبهات التي تتعرض للعدوان لأن مد الخطوط الحديدية ساعد على سرعة توزيع القوات العثمانية وإيصالها الى الجبهات.

علاقة السلطان مع اليهود

لما عقد اليهود مؤتمرهم الصهيوني الأول في “بازل” بسويسرا عام 1315هـ/ 1897م، برئاسة “ثيودور هرتزل” (1860م-1904م) رئيس الجمعية الصهيونية، اتفقوا على تأسيس وطن قومي لهم يكون مقرًا لأبناء عقيدتهم، وأصر “هرتزل” أن تكون فلسطين هي الوطن القومي لهم، فنشأت فكرة الصهيونية، وقد اتصل “هرتزل” بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهود بالانتقال إلى فلسطين، ولكن السلطان كان يرفض، ثم قام “هرتزل” بتوسيط كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلة بالسلطان أو ببعض أصحاب النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيط بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يفلح. وأخيرًا زار السلطان عبد الحميد بصحبة الحاخام “موسى ليفي”و”عمانيول قره صو”، رئيس الجالية اليهودية في “سلانيك”، وبعد مقدمات مفعمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءات المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالاً طائلة مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالف سياسي يُوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا. لكن السلطان رفض بشدة وطردهم من مجلسه وقال: “إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فلن أقبل! إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع.. وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل!”، ثم أصدر أمرًا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.

عندئذ أدرك خصومه أنهم أمام رجل قوي وعنيد، وأنه ليس من السهولة بمكان استمالته إلى صفها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه مادام على عرش الخلافة فإنه لا يمكن للصهيونية العالمية أن تحقق أطماعها في فلسطين، ولن يمكن للدولة الأوروبية أن تحقق أطماعها أيضًا في تقسيم الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان.

لذا قرروا الإطاحة به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والـ”دونمة”، والجمعيات السرية “الاتحاد والترقي”، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولعب يهود الـ”دونمة” دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان.

من أبرز تصريحاته: “انصحوا الدكتور “هرتزل” بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً، فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لن يكون!.. إنني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة!”.

وفاة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله

وقد توفي السلطان عبد الحميد الثاني في (28 ربيع آخر 1336 هـ = 10 فبراير 1918م) في منفاه عن ستة وسبعين عاماً، وتقول الأميرة “عائشة” وهي تصف حالته علي فراش الموت: “وكان وكأنما يودع من حوله آنذاك إذ امسك بيد امي وقبل راحتها اولاً، وقال لها جزاك الله خيراً ثم امسك بيد صالحة ناجية هانم، وودعها وهو يقول سامحيني في حقك، وقال “للقلفة كلشن” الواقفة عند قدميه (إبنتي جزاك الله خيراً) ثم اخذ رشفة من القهوة، وقبل ان يأخذ الثانية، إنسكبت علي كف امي، وقال بصوت عال (الله) ثم سقطت راسه على ذراع امي ..

وفاضت روحه رحمه الله، في مثل هذا اليوم، العاشر من فبراير 1918.

المصدر:تركيا بوست

زر الذهاب إلى الأعلى