أخــبـار مـحـلـيـة

الانتخابات التركية .. تقديرات الساعات الـ48 الأخيرة

لا تزال الضبابية مسيطرة على التوقعات بنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية قبل 48 ساعة على موعد إجرائها، يوم الأحد المقبل. وتنعكس حدة المنافسة في تقديرات الخبراء والمحللين الأتراك المتابعين للانتخابات، في ظل حديث عن مفاجآت محتملة، مع وجود شريحة من المترددين الأتراك ممن لم يحسموا نواياهم الانتخابية بعد. نسبة مترددة قدّرتها بعض الأوساط بما يتراوح بين 10 و15 في المائة، في حين أن استطلاعات الرأي عادة لا تعكس الواقع الحقيقي مثلما تفيد سابقة الانتخابات الأميركية 2016 مثلاً.

وتشير أجواء ما قبل الانتخابات إلى أن حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان، يعانيان من منافسة شرسة من قبل خصومهما في أحزاب المعارضة، خصوصاً في الشق البرلماني من الانتخابات، إذ إن الاقتراع على الرئاسة يشير لتفوق الرئيس الحالي على خصومه، حيث لا تزال التوقعات تعطي أردوغان فرصة الحسم، إن لم يكن في الجولة الأولى ففي الثانية التي ستحصل في 8 يوليو/تموز المقبل في حال لم يتمكن أي من المرشحين الستة من نيل أكثر من نصف أصوات الناخبين الـ59 مليونا. لكن برلمانياً، تظهر صعوبة في حصول “العدالة والتنمية” على أغلبية مريحة في البرلمان، وهو ما يجعل أردوغان وآخرين من قيادة حزبه يتحدثون في الساعات الماضية عن احتمال الذهاب إلى خيار تشكيل حكومة ائتلافية ستكون، في حال تشكيلها بالفعل من بين أكثر من حزب، الأولى في تركيا منذ وصول العدالة والتنمية الى الحكم عام 2002.

 

الكاتب والمحلل السياسي الكردي فايق بولوت، قال عن الأجواء المسيطرة على البلاد قبيل الانتخابات، في ظل تباين المعطيات عن حظوظ الأحزاب السياسية، إنها “هادئة ولكن من الناحية النفسية متوترة جداً، فهناك صعود للمعارضة وارتباك في صفوف الحزب الحاكم. وأعتقد بأن هناك ديناميكية لما بعد الانتخابات، وإذا سارت الأمور على ما يرام يمكن أن نقول إن الانتخابات الرئاسية ستكون فيها جولة ثانية، ولن يحصل أردوغان على أغلبية في المرحلة الأولى يتمكن من خلالها أن يصبح رئيساً. وفي المرحلة الثانية أتوقع فوز مرشح المعارضة المنافس محرم إنجه”، في إشارة منه إلى أن كل المعارضين سيعطون أصواتهم ربما لمرشح “الشعب الجمهوري” الكمال العلماني.

وأضاف بولوت، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “في البرلمان أتوقع أن تحصل المعارضة جميعها على الأغلبية، وهذا الأمر قد يؤدي لتشابك مع تعقيدات البيروقراطية، والأوضاع التشريعية في الحلبة السياسية. ويبدو أن حزب الشعوب الديمقراطي وضعه على ما يرام وسيتجاوز العتبة الانتخابية وهي 10 في المائة ولكن النسبة غير معروفة وقد تتراوح ما بين 10 و15 في المائة”. وكلام بولوت يعكس واقع الانطباع لدى شريحة من الناس يشكّلون الطيف المعارض. وتعول المعارضة التركية على تحقيق مكاسب عجزت عنها منذ سنوات أمام العدالة والتنمية، تحديداً بعد تأسيس الحزب “الجيد”، وتحالف حزب الشعب الجمهوري معه، مع ميل لدى أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، للتصويت لمرشح المعارضة محرم إنجه في الانتخابات الرئاسية. وهو ما يرفع آمال المعارضة بتحقيق خرق سياسي مهم في هذه الانتخابات، رغم التعارض بين الحزب الكردي اليساري، والحزب “الجيد” القومي.

وفي الوقت الذي رأى فيه بولوت فرصة للمعارضة في هذه الانتخابات، بيّن الكاتب والمحلل السياسي مصطفى حامد أوغلو، أن “تركيا مقدمة على انتخابات من نوع مختلف عن الانتخابات السابقة، هناك ترقب والأمر ليس محسوماً لأي جهة، وذلك لطول فترة الحكم لحزب العدالة والتنمية (16 عاماً) مما انعكس عليه سلباً، فالشعب يطلب مزيداً من الإنجازات، والوضع التكويني لا يساعد على تقديم الحزب المزيد، فيما المعارضة كلها ضد الحكومة”.

وحول رؤيته وتوقعاته في انتخابات الأحد، وفق الأجواء التي رصدها من تباين وضبابية مسيطرة على الأجواء السياسية، أفاد لـ”العربي الجديد”، “أرى أن تجربة 7 يونيو/حزيران 2015، عندما أراد الناخبون توجيه تحذير للحزب الحاكم، أوقعت البلاد في فراغ، ولم يستطع أحد تشكيل حكومة، مما جعل تركيا تشهد 4 أشهر من الضياع، قبل أن يمنح الناخب الأغلبية للحزب الحاكم. وعليه، ارتفعت الأصوات للعدالة والتنمية من 40 في المائة إلى 49 في المائة”. ويبدي اعتقاده بأن “هذا الشعور سيدفع الناخب لإعطائه الصوت مجدداً، ولعدم الانقطاع في المسيرة، ولكن دائما هناك مفاجآت، في ظلّ الوضع الاقتصادي الحالي. مع التأكيد بأن منصب رئيس الجمهورية سيُحسم من الجولة الأولى لصالح أردوغان بفارق ضئيل قد لا يصل حتى حاجز 51 في المائة”.

هذه الرؤية تعزز التناقض المسيطر على الشارع التركي، على الرغم من أنه مليء بالأحزاب السياسية إلا أن هناك جبهتين، الأولى متمثلة بحزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، وجبهة أخرى هي جبهة الأحزاب المعارضة مجتمعة.

المحلل السياسي بكير أتاجان، يذهب باتجاه آخر معتبراً أن “الأيام الأخيرة تظهر فرقاً كبيراً لصالح حزب العدالة والتنمية، ويلاحظ ذلك بشدة في تجمعات الأيام الأخيرة، خصوصاً الحشد الذي شهدته إسطنبول يوم الأحد الماضي، وكذلك الحشود في مدن البحر الأسود وغيرها، مما يظهر ازدياداً لشعبية الحزب في كل لحظة، بعد الحشد في إسطنبول، وسيزداد بدرجة عالية في الأيام المقبلة”.

ورغم ما ذهب إليه، إلا أنه أكد لـ”العربي الجديد”، أنه “ليس من السهل التنبؤ مبكرا بالانتخابات، التي لا تشبه الانتخابات السابقة، وليس من الأمر السهل معرفة إن كان المواطنون لديهم الإجابة الصحيحة في استطلاعات الرأي، لأي حزب سيصوتون، لأن هناك تعدد أحزاب، والآراء تختلف وهي لا تعطي الآراء الحقيقية للناخبين. ورأيي الشخصي أن الجولة الأولى سيحقق فيها أردوغان الأغلبية، ولن يحتاج لجولة ثانية، وفي البرلمان التحالف الجمهوري سيصل إلى 300 برلماني من أصل 600 هم إجمالي أعضاء البرلمان، والمعطيات الأخيرة كلها مؤشرات ودلائل على أن نسب حزب العدالة والتنمية في ارتفاع، مقارنة مع الأسبوع الماضي”.

أتاجان قدّم مقاربة أخرى قامت على أن “الوضع في البلاد فيه احتقان ومفاجآت، وأن حزب العدالة والتنمية لم يحقق التقدم إلا في الفترة الأخيرة مع قرب الانتخابات، ورغم ذلك فإن الأجواء الحذرة مسيطرة على الشارع، رغم أن المعطيات متبدلة وتقدم طرفاً على حساب آخر”.

في المقابل، قال الباحث في مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التركية “سيتا”، إمره ككلي، إنه “في تركيا فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تجري في أجواء ديمقراطية، وحزب العدالة والتنمية يعمل للاستمرار بالحديث عن المشاريع المنجزة من قبله، ويقدم المشاريع الجديدة، فيما أحزاب المعارضة تلجأ إلى النقد فقط، ولا توجد رؤية للمعارضة أبداً”.

وأضاف لـ”العربي الجديد”، أن “اجتماع إسطنبول الأخير أظهر عدم تراجع شعبية أردوغان بعد، والأحزاب المعارضة لا تزال تحمل ميراث أعمالها الاجتماعية السابقة، التي تعتمد على القمع والضغط الاجتماعي والديني. والشعب لم ينسَ هذا بعد، خصوصاً من حزب الشعب الجمهوري، أما ميراي أكشنر فهناك تخوف منها، وحزب السعادة لا قاعدة شعبية له”، مشدّداً على أن “حزب العدالة والتنمية منذ توليه الحكم يعتبر مرجعا للشعب وعامل ثقة، والمأمول من الانتخابات استمرار الأمن والاستقرار في البلاد، ومحاربة الإرهاب خارج البلاد في العراق وسورية. وهناك ضغوط اقتصادية عند مراعاتها تظهر أن تركيا بحاجة لأن تتم إدارتها من قبل إدارة قوية جداً وفق ما يرى المختصون، ولهذا هناك آمال من الشعب ورؤوس الأموال، باستمرار الاستقرار، ويرى أن عنوان الاستقرار هو حزب العدالة والتنمية”.

 

العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى