اقـتصــاديـة

منح الجنسية التركية وقوانين الاستثمار.. لماذا وكيف؟

كما هو معلوم؛ فقد قلصت الحكومة التركية الحد الأدنى المطلوب للاستثمار في البلاد من الأجانب للحصول على الجنسية التركية، وفقا للتعديلات الأخيرة على القوانين التي سُنت في 19 سبتمبر/أيلول 2018.

وبموجب تلك التعديلات؛ فقد انخفضت القيم الحدية لأنماط الاستثمارات المختلفة اللازمة للحصول على الجنسية إلى ربع أو سدس الحدود الدنيا السابقة.

ولعل من المهم الإشارة إلى أن من يرغب في الاستفادة من الفرص المتاحة في ضوء التعديلات الأخيرة، يتعين عليه الدخول في استثمارات جديدة. ذلك أن أي استثمار حدث قبل 19 سبتمبر/أيلول 2018 لا يندرج تحت نطاق التعديلات الأخيرة. ووفقاً لذلك فإن؛

– الحد الأدنى المطلوب للاستثمار في قطاع العقارات من أجل الحصول على الجنسية انخفض من مليون دولار أميركي إلى 250 ألف دولار. ولا يجوز نقل أو تحويل أو سحب الاستثمار لمدة ثلاث سنوات.

– الحد المطلوب للحصول على الجنسية بإيداع مبالغ في حساب بأحد البنوك التركية -شريطة عدم سحب المبلغ المودع لفترة لا تقل عن سنوات- انخفض الآن من ثلاثة ملايين دولار أميركي إلى خمسمئة ألف.

– الحد الأدنى المطلوب للحصول على الجنسية عبر توظيف مواطنين أتراك تقلص من مئة موظف إلى خمسين على الأقل.

– الحد الأدنى المطلوب للحصول على الجنسية بشراء سندات حكومية انخفض من ثلاثة ملايين دولار أميركي إلى خمسمئة ألف.

وبعد قرابة خمسة أشهر من إدخال تلك التعديلات على القوانين الصادرة في 19 سبتمبر/أيلول؛ أُضيفت تعديلات طفيفة تشرح التفاصيل الإجرائية الخاصة بمنح الجنسية عبر طلبات الاستثمار.

تجدر الإشارة إلى أن القانون التجاري الجديد الصادر في يوليو/تموز 2012، وقانون الاستثمار المباشر الصادر في أغسطس/آب الماضي؛ مهّدا للمستثمرين الأجانب والرساميل الخارجية دخول تركيا، بفضل ما يتضمنانه من بنود “موالية للسوق المفتوحة وصديقة للمستثمر”، وهو ما يمكن رصده في بيانات البنك الدولي بخصوص تركيا.

وقد وفرت رئاسة الجمهورية التركية أهم البيانات في رسم بياني نورده فيما يلي:

 

يستند قانون الاستثمار الأجنبي المباشر -أولا وقبل كل شيء- إلى مبدأ المعاملة بالمثل، إذ يتيح للمستثمرين الدوليين التمتع بنفس الحقوق والواجبات التي ينعم بها المستثمرون المحليون، حيث يمكنهم إقامة أي نوع من الشركات المنصوص عليها في القانون التجاري التركي، تماما مثل المواطنين الأتراك.

وبناء عليه؛ هناك أنواع من الشركات (مثل شركة مساهمة، وشركة ذات مسؤولية محدودة، وشركة تعاونية)، وأنماط غير مؤسسية (مثل شركة تضامن، وشركة توصية بسيطة) تقع تحت طائلة القانون التجاري التركي، ويمكن للمستثمر الأجنبي اختيار ما يناسبه منها بما يتوافق مع احتياجاته التشغيلية.

وبدلا من تأسيس شركة جديدة؛ يجوز فتح مكاتب فرعية لا تكون ممثلة لكيانات قانونية مستقلة بذاتها بل مرتبطة بالشركة الأم، ولا تتطلب رأسمال مخصصا لها. كما يجوز فتح مكاتب اتصال للشركات الأجنبية.

ومن أجل تعزيز بيئة الاستثمار؛ أدخلت تركيا إصلاحات وتعديلات كبيرة على قوانينها لتبسيط إجراءات تأسيس أعمال تجارية في البلاد. وتهدف تركيا من وراء تلك الإصلاحات للقضاء على البيروقراطية في إجراءات إقامة مشروع تجاري، والتقليل من التكاليف التي يتكبدها المستثمر، وتبسيط الإجراءات.

ولهذه الغاية؛ فإن إنشاء شركة لم يعد يتطلب تقديم كمٍّ هائل من المستندات، بل ما بين عشرة إلى خمسة عشر مستندا فقط. ويتم إنجاز العملية برمتها عبر محطة واحدة تتمثل في مكاتب السجل التجاري الملحقة بالغرف التجارية، والتي تكتسب أهمية بالغة في جذب المستثمرين الأجانب.

إلى جانب ذلك؛ أنشأت وزارة التجارة منصة إلكترونية أُطلِق عليها اسم “ميرسيس” (MERSİS) لتسهيل إجراءات تأسيس الشركات. وأخيرا فإن بيانات البنك الدولي الآنفة الذكر تدل على مدى فعالية تلك الجهود.

ويُظهر هذا الرسم البياني التغير الذي طرأ على تكلفة إجراءات البدء في إقامة عمل تجاري (% لنصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي) في تركيا خلال 15 عاما (المصدر: البنك الدولي).

وهناك مزايا أخرى في تركيا مثل نظم الحوافز التي تقدمها الحكومة للمستثمرين الأجانب، والتزام الدولة باتفاقيات منع الازدواج الضريبي التي تضمن ألا يعاني المستثمرون الأجانب من الازدواج الضريبي.

ومن المزايا أيضا وجود أساس قانوني واضح لنقل الأصول، ورقمنة إجراءات تصاريح الإقامة والعمل، وبطبيعة الحال توفُّر فرص الحصول على الجنسية التركية.

وبما أن كل موضوع من تلك الموضوعات يستحق أن نتناوله كلا على حدة، فلن نخوض في مزيد من التفاصيل بشأنها. ولا بد لنا هنا أن ننبِّه فقط إلى أن “الأحكام الخاصة بتوظيف الأجانب ضمن نطاق الاستثمارات الأجنبية المباشرة” تضمنت بنودا لتيسير إصدار تصاريح العمل للموظفين الرئيسيين، التابعين للشركات التي يؤسسها مستثمرون أجانب.

دينيز باران – الجزيرة – محام وباحث ومدرس مساعد للقانون الدولي في جامعة إسطنبول

زر الذهاب إلى الأعلى