أخــبـار مـحـلـيـةمقالات و أراء

وداعًا لـ40 عامًا من الدم: تركيا بلا PKK و تركيا تتطلع للسلام

إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه رسميًا ونزع السلاح لا يُعد مجرد خطوة رمزية في تاريخ صراع امتد لأكثر من أربعين عامًا، بل يمثل تحولًا جذريًا قد يُمهّد لبداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولة التركية والمكوّن الكردي على المستويين المحلي والإقليمي. ومع ذلك، فإن هذا التحول، رغم أهميته، يطرح تساؤلات حيوية حول المسار المقبل، والتحديات المحتملة التي قد تعترض طريقه.

أولًا، تركيا أمام اختبار سياسي حقيقي.
بينما ترى الحكومة في حلّ PKK انتصارًا أمنيًا واستراتيجيًا، تبقى المسؤولية الأهم في كيفية إدارة المرحلة التالية. المسألة الجوهرية تكمن في ما إذا كانت الدولة ستتعامل مع هذه اللحظة بمنطق التصعيد وتصفية الحساب، أم أنها ستتبنّى سياسة اندماجية قائمة على الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية للمواطنين الأكراد ضمن إطار الدولة التركية الواحدة. فإذا لم تُترجم هذه الخطوة إلى إصلاحات حقيقية، فإن خطر ظهور امتدادات جديدة للتنظيم، ولو بصيغ غير عسكرية، سيظل قائمًا.

ثانيًا، الملف الكردي في سوريا والعراق لا يمكن تجاهله.
تفكيك PKK يترك فراغًا واضحًا، خاصة في شمال سوريا وشمال العراق، حيث تتواجد تشكيلات كردية سياسية وعسكرية ذات صلة فكرية بالتنظيم، وتحظى بدعم قوى دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. أمام أنقرة فرصة لإعادة ضبط العلاقة مع هذه القوى، شريطة الفصل بين الهوية القومية الكردية والمشاريع الانفصالية المسلحة. النجاح في هذا المسار يتطلب مبادرة سياسية جريئة تتجاوز المعالجة الأمنية التقليدية.

 

 

ثالثًا، تأثيرات هذا التحول ستمتد إلى الداخل التركي.
من المتوقع أن يعيد هذا التطور تشكيل المشهد السياسي الداخلي، لا سيما ما يتعلق بموقف الدولة من الأحزاب الكردية القانونية مثل حزب الشعوب الديمقراطي. وفي حال تم استثمار لحظة حلّ PKK لفتح حوار وطني مدني، فإن ذلك من شأنه تعزيز المشاركة السياسية للأكراد تحت سقف القانون والدستور، والمساهمة في تقليص الاحتقان المزمن الذي طالما شكّل عبئًا على استقرار البلاد.

في المقابل، تبقى بعض المخاطر حاضرة، من بينها إمكانية تدخل أطراف إقليمية مثل إيران أو روسيا أو أطراف دولية أخرى في ملء الفراغ، إضافة إلى احتمالات ظهور حلول شكلية لا تتناول جذور الأزمة، أو اتخاذ تدابير تقيد الحريات مما قد يُعيد التصعيد الداخلي إلى الواجهة.

خلاصة القول، إن تفكيك حزب العمال الكردستاني يجب أن يُفهم على أنه بداية لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمكوّن الكردي، وليس فقط نهاية لتنظيم مسلح. هذه اللحظة تحمل فرصة نادرة لإرساء عقد اجتماعي جديد أكثر شمولًا، لكن استغلالها يتطلب قيادة سياسية واعية وقرارات جريئة ومسؤولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى