أخــبـار مـحـلـيـة

سفن عملاقة وطواقم محلية.. تَعرَّف رحلة الغاز من البحر إلى المنازل في تركيا

بحضور الرئيس التركي، انطلقت الثلاثاء سفينة عبد الحميد خان، أحدث سفن التنقيب في العالم وآخر أعضاء أسطول التنقيب التركي، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، في إطار المسار الذي تسلكه تركيا على الخارطة الاستراتيجية التي رسمتها لتعزيز أمنها الطاقي وتخفيض فاتورة الطاقة التي تتجاوز حاجز 40 مليار دولار سنوياً.

ووسط أزمة الطاقة التي تعصف بالبلدان الأوروبية بسبب الحرب الأوكرانية المشتعلة منذ 5 أشهُر، أدركت تركيا مدى أهمية الخطوات التي خطتها قبل سنوات لبناء أسطول ضخم من سفن المسح والتنقيب تقوده طواقم محلية خبيرة ومؤهلة للبحث عن موارد الطاقة الطبيعية تحت مياه الوطن الأزرق الذي يحيط بتركيا من ثلاث جهات.

وبفضل امتلاكها التكنولوجيا القادرة على إطلاق هذه الإمكانيات واستغلالها بما يتناسب مع سياسة الطاقة الوطنية التي تنتهجها، باتت تركيا اليوم قادرة على إجراء المسوحات السيزمية في جميع أنحاء وطنها الأزرق، ومباشرة الحفر في الحقول التي اكتشفتها، استعداداً لإنشاء خطوط نقل الغاز الطبيعي من البحر إلى منازل مواطنيها على الأرض.

 

رحلة الغاز من البحر إلى الأرض

في مقابلة حديثة أجراها مع TRT عربي، أكّد رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة البترول التركي مليح خان بلغين، أن تركيا تسعى لتحقيق اكتفاء ذاتي تامّ في مجال الطاقة بحلول 2030 لتصبح بذلك مستقلّة تماماً في قطاع الطاقة ومواردها.

في هذا التقرير نأخذكم في رحلة على طول الطريق الذي تسلكه تركيا للتنقيب واستخراج موارد الطاقة لديها، بدءاً من أعمال البحث والتمشيط، مروراً بأعمال الحفر، وصولاً إلى مراحل الاستخراج والنقل من البحر إلى منازل المواطنين على الأراضي التركية.

الخطوة الأولى: المسح الزلزالي

تُعَدّ عملية المسح الزلزالي التي تجريها سفن التنقيب التركية بمثابة الخطوة الأولى في رحلة الغاز الطبيعي من البحر إلى الأرض في تركيا. والمسوحات الزلزالية (السيزمية) هي عملية تسجيل انعكاسات الموجات الصوتية من الهياكل الجيولوجية تحت الأرض عن طريق إرسال موجات صوتية تحت الأرض، ومن خلالها تُحدَّد التراكيب الجيولوجية المحتوية على الهيدروكربونات (غاز ونفط)، ويُحسَب حجم الاحتياطي التقديري.

فيما تلعب سفن الأبحاث الزلزالية التي يضمّها أسطول الحفر والتنقيب التركي دوراً مهمّاً في أعمال البحث أسفل مياه البحار المحيطة بتركيا، التي تُتنَج بفضلها نماذج زلزالية ثنائية أو ثلاثية الأبعاد لقاع البحر يمكن للمهندسين من خلالها تحديد محتوى وحجم النفط أو الغاز الطبيعي.

حتى فترة قريبة كانت تركيا تُجرِي هذه المسوحات على شكل شراء خدمات من شركات عالمية، لكنها اليوم بفضل سفينتي البحث أوروتش رئيس وخير الدين بربروس، اللتين انضمتا إلى أسطول التنقيب التركي عام 2012، باتت تجريها بإمكانيات وطواقم محلية.

الخطوة الحاسمة: الحفر

يُعتبر الحفر من أهمّ الأعمال للوصول إلى الهيدروكربونات التي اكتشفتها سفن المسح الزلزالي، يُنزَل من خلالها بأمان إلى العمق المطلوب عند النقطة المحددة التي تُحدَّد وفقاً لخطة الحفر المُعَدّة مسبقاً. فبعد مرحلة التخطيط، يبدأ الحفر بمنصة حفر حسب عمق الماء، وما إن يُصادَف النفط أو الغاز الطبيعي في أثناء عملية الحفر، حتى يثبت وجود النفط أو الغاز فعلياً وبدقة.

وللوصول إلى مخزونات الغاز المكتشَفة في قاع البحر، أرسلت سفن الحفر إلى البحر الأسود من أجل حفر آبار على أعماق 300 إلى 3500 متر. وتحتوي سفن الحفر التركية الأربع، من الجيلين السادس والسابع، على منصات حفر ونظام تحديد المواقع النشط الذي يحافظ على استقرار السفن ضد المد والجزر والأمواج والعواصف.

تمتلك تركيا أربع سفن حفر: الفاتح، أول سفينة حفر انضمّت عام 2017 إلى أسطول سفن مؤسسة البترول الوطنية التركية، وياووز، ثاني سفن الحفر من الجيل الثاني التي دخلت الأسطول عام 2018، والقانوني، التي دخلت الخدمة عام 2020، وعبد الحميد خان، أحدث سفن التنقيب في العالم من الجيل السابع التي انطلقت الثلاثاء في أولى مهامّها في البحر الأبيض المتوسط.

الخطوة الأخيرة: الإنتاج

وفقاً لما أكده وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي الفاتح دونماز في 8 مارس/آذار الماضي حين قال: “ننفّذ أعمالاً سنفتخر بها كدولة في البحر الأسود. لقد وجدنا احتياطياً من الغاز الطبيعي يبلغ 540 مليار متر مكعب، وسنُدرِج هذا الغاز في النظام في الربع الأول من عام 2023″، مشيراً إلى أن احتياطي الغاز هذا كبير بما يكفي لتلبية احتياجات جميع المساكن في تركيا لمدة 30 عاماً.

ولأول مرة، تشارك سفن الحفر التركية الثلاث، الفاتح والقانوني ويافوز، بأعمال متزامنة لإتاحة غاز البحر الأسود عام 2023. وبينما تستكمل سفينة الفاتح مهمة حفر الآبار في حقل غاز سقاريا، الذي حقّق أكبر اكتشاف للغاز في تركيا حتى الآن، ستشارك سفينتا القانوني ويافوز في أعمال استكمال البئر وتجهيزها بالمعدات اللازمة لضخّ الغاز عبر الأنابيب إلى مصافي الغاز الطبيعي بالقرب من ميناء فيليوس.

ويُنتظر العام المقبل أن تُربط 6-10 آبار بنظام الإنتاج الذي سيُنشأ تحت سطح البحر في حقل غاز سقاريا، ويصل إلى الشاطئ كخط واحد، ويُتوقَّع أن يصل إجمالي الإنتاج إلى 10 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً، فيما يُتوقَّع الوصول إلى أعلى مستوى إنتاج في البحر الأسود في 2027-2028، إذ ستُنتَج 40 مليون متر مكعَّب من الغاز يومياً.

TRT عربي

زر الذهاب إلى الأعلى