مقالات و أراء

اختفاء خاشقجي… وتداعيات العلاقات بين تركيا والسعودية

قضية اختفاء الصحفي المعارض السعودي جمال خاشقجي تثير جدلاً واسعاً في جميع الأوساط الثقافية والإعلامية وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وبنفس هذا السياق فقد استدعت وزارة الخارجية التركية سفير المملكة العربية السعودية، وليد بن عبد الكريم الخريجي، لمناقشة قضية خاشقجي عقب اختفائه يوم الثلاثاء الماضي الثاني من تشرين الأول، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية التركية، ونفى السفير الذي اجتمع مع نائب وزير الخارجية التركي وجود معرفة بمكان خاشقجي.                                                              

وقد تزيد هذه القضية من تدهور العلاقات السعودية ـ التركية المشحونة أصلاً، فقد دعمت تركيا قطر في نزاعها مع السعودية العام الماضي، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متعاطفاً معها، ونتيجة لذلك يعتقد خبير الشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية شتاينبرغ أن المملكة العربية السعودية لن تقلق بشأن التداعيات الدبلوماسية من تركيا إذا خُطف خاشقجي بالفعل، ويرى شتاينبرغ أن “العلاقات بين أنقرة والرياض توترت منذ فترة “، مشيراً إلى أن “الحكومة السعودية على الأرجح لا تهتم كثيراً بالعواقب المحتملة لخطر الاختطاف”، وقال شتاينبرغ “إذا خُطف خاشقجي بالفعل في القنصلية السعودية، فسوف يحدث ذلك موجات صادمة في مجتمع المهاجرين في تركيا”، وفي المقابل رفض الإعلامي السعودي في “سكاي نيوز عربية” بأبو ظبي عبد الله البندر الاتهامات القائلة بأن السلطات السعودية قد خطفت خاشقجي، قائلاً إنها “خاطئة”.                                                                             

اما منظمة هيومن رايتس ووتش في نيويورك فقد دعت السلطات التركية إلى تكثيف تحقيقها في البحث عن خاشقجي، وأوضحت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في بيان للمنظمة: “إذا قامت السلطات السعودية باعتقال خاشقجي، فسيكون ذلك تصعيداً آخر لحكم ولي العهد محمد بن سلمان القمعي ضد المعارضين والنقاد السلميين”، وأضافت بحسب موقع واشنطن بوست، أنه على السعودية أن تقدم أدلة على ادعائها أن خاشقجي غادر القنصلية وحده، وأن الموظفين السعوديين لم يحتجزوه”. وفي تركيا فقد أعلن مدعي عام اسطنبول في بيان نشرته وكالة الأناضول، أن تحقيقاً فُتح منذ الثلاثاء ويتواصل بشكل أعمق حول اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي فُقد أثره منذ دخوله إلى قنصلية بلاده في اسطنبول الثلاثاء الماضي. قد يتساءل البعض عن الفائدة التي قد تجنيها السعودية من اختطاف أو قتل خاشقجي داخل القنصلية في حقيقة الأمر، فإننا نقول ان إحدى الأفضليات التي قد يتيحها هذا العمل للسعودية هو إبقاء السلطات التركية في نقطة عمياء في مرحلة من المراحل، وامتلاك القدرة على الإنكار لاحقاً، وهو السيناريو الحاصل الآن، فاغتيال خاشقجي في أي مكان عام كان سيترك الكثير من الأدلّة والشهود، ولكن في الوضع الحالي تقل فيه الأدلّة والشهود بسبب الحصانة الدبلوماسية للمكان وسياراته وحتى طريقة مراقبته من الداخل، وهذا الأمر لن يستمر طويلاً، وسيؤدي تحقيق المدّعي العام إلى جمع الأدلة وسيكتشف الجانب التركي عمّا إذا كانت السلطات السعودية متعاونة في التحقيق أم لا، اما إذ حاولت السلطات السعودية عرقلة التحقيق من خلال حجب معلومات أو أدلة أو من خلال تقديم روايات متضاربة، فهذا سيؤكد أنّ السعودية متورطة في العملية، وسيأخذ العملية إلى مسار آخر.               

هذا المسار سيتوقف لاحقاً على الأدلة إلى حدّ بعيد، وإذا ما تأكّد بأنّ السعودية مسؤولة عن تدبير هذه الحادث، فسيكون هناك تداعيات على العلاقات السعودية ـ التركية، حجم ومدى هذه التداعيات سيعتمد على تقييم صانع القرار التركي لكل لخيارات المتاحة والتي تتضمن في حدّها الأدنى طرد دبلوماسيين أو تخفيض علاقات دبلوماسية أو قطع هذه العلاقات او إجراء ملاحقات جنائية دولية أو إعداد لائحة مطالبة من السعودية لمنع اتخاذ الإجراءات السابقة…إلخ، عندما يتعلق الأمر بالسيادة، فإن المواقف التركية عادة ما تكون متشددة، ولا شيء يدعو للاعتقاد بأنّ الموقف سيكون مغايراً بالنسبة إلى التعدّي السعودي على السيادة التركية، وفي نهاية المطاف فإن السعودية ليست أقوى من الولايات المتّحدة ولا روسيا حتى يتم خشيتها أو التراجع أمامها، وحتى يتّخذ الجانب التركي قرارات قويّة يجب أن يكون لديه أدلّة قويّة وإذا ما تبيّن من خلال التحقيق أن السعودية مسؤولة عن ذلك، وهذا يعني أنّ هذا الأمر تمّ من خلال التعدي على السيادة التركية ومن خلال خرق الاتفاقات الدولية المتعلقة بتنظيم العلاقة بين البلدين، وبالتالي لا يمكن أن يتم السكوت عن مثل هذا الأمر، وفي حديث السيد رجب طيب أردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء المجري في بودابست التنويه لتلك العلاقة حين قال: “على مسؤولي القنصلية السعودية إثبات خروج خاشقجي من القنصلية”، مضيفا أنه “لا يمكن أن يتملص المسؤولون السعوديون من المسؤولية من خلال القول بأنه خرج من القنصلية”، ومؤكدا أن “متابعة تلك القضية واجب إنساني” ، وسنرى ما تحمله الأيام من مفاجئات واحداث.

 

د. عبد السلام ياسين السعدي –  خاص تركيا الآن

 



هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه

زر الذهاب إلى الأعلى