اقـتصــاديـةالجاليات في تركيا

السوريون في الاقتصاد التركي: من محاولات الاندماج إلى بناء المجتمعات الموازية

تُشير تجارب الدول حول العالم في قضايا اللجوء والهجرة إلى أنّ تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين أو المهاجرين إلى البلدان المُستضيفة يؤثّر على أوضاعها الاقتصادية، لأنّه يستنزف الخدمات والبنى التحتية ويخلق منافسة جديدة وطارئة في سوق العمل، لكن يبدو أن حالة اللجوء السوري في تركيا مختلفة، فلقد أدّى دخول أعداد كبيرة من السوريين إلى تركيا إلى إيجاد فرص كبيرة للاقتصاد التركي المُضيف بسبب حاجته وقدرته على امتصاص العمالة الواردة.

 

 

إنّ الحديث عن الجانب الاقتصادي فيما يخصّ السوريين في تركيا لا بدّ أن يُؤخذ من جانبين، فمن الجانب الأوّل تتحمّل الدولة التركية بعض الأعباء المالية والنفقات تجاه السوريين في الصحّة والتعليم خصوصاً إنّما بدعم كبير من “الاتّحاد الأوروبي”، لكن السوريين في الجانب الآخر والذين يعيش نحو 97% منهم ويعملون في المدن والمجتمعات التركية يُنفقون من دخلهم أو من مدّخراتهم فيشكّلون مصدر إيراد للدولة وللإدارات المحلّية من خلال دفعهم لبدلات استخدام الخدمات من مياه، وكهرباء، وغاز طبيعي، وكذلك خدمات النقل وغيرها، فهم يساهمون في دفع الضرائب، كما أنّهم من خلال استهلاكهم السلعي والخدمي الغذائي وغير الغذائي، يُساهمون في تغذية خزينة الدولة من خلال ضريبة القيمة المُضافة المفروضة على جميع بنود الاستهلاك تقريباً في تركيا، وكذلك ضرائب الدخل وسواها .

(في 25 تمّوز2019 أعلنت مديرية الهجرة العامّة في وزارة الداخلية التركية عن إحصائية تشير إلى أنّ عدد السوريين المسجّلين في تركيا وصل إلى ثلاثة ملايين و649 ألفا و750 سوريا).

 

 

 

يشترط القانون التركي حصول السوريين على تصاريح عمل كي يُسمح لهم بالدخول إلى سوق العمل التركي، وتجعل وزارة العمل التركية تقديم طلبات الإذن بالعمل واجباً على صاحب العمل، وينبغي أن يدفع رسوماً مالية مقابل حصوله على الإذن، فإذا حصل العامل السوري عليه وجب ألّا يقلّ أجره عن الحدّ الأدنى للأجور في تركيا، كما أنّ حملة بطاقات الحماية المؤقّتة من السوريين لا يجوز أن يعملوا خارج الولاية التي حصلوا على بطاقاتهم منها، ولم يُسمح للسوريين من حملة بطاقات الحماية المؤقّتة باستصدار تصاريح العمل حتّى 15كانون الثاني 2016، أي بعد أكثر من خمس سنوات على بداية النزوح السوري إلى تركيا، ولم يكن بإمكان أي سوري الانتظار كلّ تلك المدّة بلا عمل، فاستغلّ الكثير من الأتراك حاجتهم وأوضاعهم هذه بشكل سيئ.

كما تُشير الإحصائيات إلى أنّ عدد السوريين المسجّلين في تركيا والذين هم في سنّ العمل وهو في تركيا بين الخامسة عشرة والخامسة والستين، قد تجاوز مليوني سوري، لكن لا يمكن تحديد عدد من يعملون منهم بدقّة، بسبب طبيعة توظيفهم غير الرسمية وغياب البيانات، لكن يُقدّر أنّ بين 500 ألف ومليون سوري يعملون فعلاً وخاصّة في قطاعَي الأنسجة والألبسة، فضلاً عن التعليم والبناء والخدمات والزراعة بشكل خاصّ، لكنّ معظم الوظائف عموماً وظائف غير ثابتة وغير رسمية، ما يترافق مع انخفاض الأجور لتكون أدنى بكثير من الحدّ الأدنى المفروض قانوناً، وبظروف عمل رديئة يشوبها الاستغلال.

مع عدم وجود سياسات لجوء واضحة وعدم انطباق المعايير الدولية للّجوء على السوريين في تركيا خاصّةً في مسائل السكن والدعم المالي والاندماج، ومع تحوّل الخطاب التركي عموماً إلى خطاب سلبي، اتّجه السوريون في تركيا نحو إنشاء مجتمعات موازية تعتمد وتنتفع من بعضها، ففتحوا مطاعم ومقاهي يرتادها زبائن سوريون، وأنشؤوا مخابز للخبز السوري، ومحالّ لبيع البضائع والموادّ السورية، ومعامل وورشات للخياطة والنسيج والألبسة، ومدارس ومعاهد للطلّاب السوريين، ومستشفيات ومراكز وعيادات صحّية من الأطبّاء والممرّضين السوريين، كما أسّس السوريون في تركيا منتديات ثقافية ومؤسّسات إعلامية ومحطّات تلفزيون وراديو، ونشأت جمعيات سورية مدنية في مختلف المجالات، وهكذا نشأت مجتمعات سورية خالصة في تركيا، استطاع من خلالها السوريون الاستغناء بشكل شبه تامّ عن مخالطة الأتراك اقتصادياً واجتماعياً، وسيزيد هذا مع الزمن الفجوة بين المجتمعين ويصعّب قضايا الاندماج، والسبب الرئيس أنّ السوريين في تركيا ليسوا لاجئين يتحتّم عليهم تعلّم لغة الدولة المضيفة واتباع سياسات الإدماج في مجتمعاتها، كما لا يتحتّم على الدولة المضيفة إيواؤهم ومساعدتهم ودمجهم في مجتمعاتها .

مع هذا ورغم صعوبة هذه التحدّيات والتكاليف الاقتصادية للاندماج، لكنّ السوريين يساهمون بنشاط في الاقتصاد التركي، والكثير منهم خلقوا فرص مشروعاتهم الخاصّة، كما ساهموا في التصدير إلى خارج تركيا خاصّة إلى بلدان الشرق الأوسط، لذلك يبدو أنّه قد حان الوقت أمام الحكومة التركية لبذل الجهود والبناء على هذه الأسس والدلائل والعمل على إدماج السوريين على المدى الطويل في الاقتصاد التركي، واتّخاذ إجراءات عادلة وحوافز حقيقية لتشجيعهم، وخاصّة لجيل الشباب من السوريين الذين بات معظمهم ثنائي اللغة ولديهم طموحات جادّة ومصالح حقيقية في خلق حياة جديدة لهم في تركيا.

 

 

 

اورينت

زر الذهاب إلى الأعلى