مقالات و أراء

تركيا سترفع حالة الطوارئ و تتبنى النموذج الفرنسي

أعلنت تركيا حالة الطوارئ في 20 تموز/ يوليو 2016، قبل عامين تقريباً، بعد وقت قصير من محاولة انقلابية دامية. والسبب وراء هذا القرار كان واضحاً وضوح الشمس، فمحاولة لانقلاب الفاشلة تم تدبيرها من قبل المنظمة الإرهابية التي يقودها فتح الله غولن، المعروفة رسمياً بمنظمة غولن الإرهابية، بعد تسللها بشكل منظم على مدى عقود إلى مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك القوات المسلحة التركية.

وبعد عامين، لا تزال بعض الحكومات الغربية تتساءل عما إذا كان أتباع فتح الله غولن مسؤولين بالفعل عن المحاولة الانقلابية. السلطات التركية شاركت دفعات متعددة من الأدلة –التي تربط غولن المقيم حالياً في ولاية بنسلفانيا الأمريكية بالمحاولة الانقلابية الفاشلة– مع وزارة العدل الأمريكية لضمان إعادته إلى تركيا.

 

لكن دليلاً رئيسياً آخر، تم الكشف عنه الأسبوع الماضي، يروي بنفسه الكثير، فلنناقش هذا الدليل باختصار قبل العودة إلى حالة الطوارئ.

في ليلة 15 تموز/ يوليو 2016، كان ثمة مدنيان في قاعدة أكنجي العسكرية في أنقرة، التي استخدمها منفذو المحاولة الانقلابية كمركز عمليات لهم، هما عادل أوكسوز وكمال باتماز.

وفي وقت لاحق، كشفت السلطات التركية أن كلا الرجلين سافرا بصورة متكررة إلى الولايات المتحدة وعادا سوية إلى تركيا. وتؤكد تركيا أنهما تلقيا تعليمات من فتح الله غولن نفسه قبل المحاولة الانقلابية. وفي خضم الفوضى التي أعقبت محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو تمكن أوكسوز من الهرب، فيما اعتقل باتماز من قبل السلطات، وبات خلف القضبان ينتظر محاكمته.

بحسب السلطات التركية، يوجد أوكسوز حالياً في ألمانيا، وتختبئ عائلته في الولايات المتحدة. وقد تم العثور، الأسبوع الماضي، على دليل جديد يتعلق بدور باتماز في المحاولة الانقلابية، فقد وجدت السلطات التركية هاتفاً ذكياً استخدمه باتماز ليلة المحاولة الانقلابية، وتم الوصول بنجاح إلى سجل مكالماته ومراسلاته التي تشير إلى أنه كان على اتصال فعلي بأعضاء من الدائرة الضيقة لغولن في الولايات المتحدة.

وبالنظر إلى وجود دليل مادي يظهر أن مدنياً، جرى اعتقاله في مركز عمليات منفذي المحاولة الانقلابية، كان على اتصال ويقوم بتلقي توجيهات من أعضاء في دائرة غولن الضيقة، فإنه لم يعد من الممكن التساؤل عمن كان المسؤول عن محاولة الانقلاب بتركيا في تموز/ يوليو 2016.

ولنعد الآن إلى حالة الطوارئ التي لا تزال سارية منذ قرابة العامين. بالنسبة إلى تركيا، فإن حالة الطوارئ كانت ضرورية للغاية لمواجهة المنظمات الإرهابية، ومن ضمنها منظمتا غولن وبي كا كا، إلا أنها لم تؤثر على الحياة اليومية لعامة المواطنين. وفي ظل حالة الطوارئ هذه أصدرت السلطات التركية أحكاماً بإقالة مسؤولين ثبتت صلتهم بمنظمة غولن من الخدمة العامة. كما أن حالة الطوارئ جعلت من الممكن احتجاز المشتبه بهم الذين اعتقلوا بعيد محاولة الانقلاب الفاشلة مباشرة لدى الشرطة لفترات طويلة.

في الأسابيع الأخيرة، برزت إشارات قوية على أن حالة الطوارئ سترفع. فقبيل انتخابات 24 حزيران/ يونيو، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن إدارته لن تقوم بتمديد حالة الطوارئ، وقال لاحقاً إن رفع حالة الطوارئ سيكون أول بند على جدول أعماله بعد الانتخابات.

السؤال هو كيف سيؤثر إنهاء حالة الطوارئ على حرب تركيا ضد الإرهاب. فإدارة أردوغان تريد رفع حالة الطوارئ من دون أن تتعرض جهود مكافحة الإرهاب المتواصلة للتقويض. الجواب، بحسب مسؤول تركي رفيع، هو تبني النموذج الفرنسي، ففي أعقاب هجمات إرهابية متعددة، أعلنت فرنسا حالة الطوارئ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، ظلت سارية لعامين. وبالرغم من إنهاء حالة الطوارئ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، فقد مرر البرلمان الفرنسي سلسلة قوانين لضمان إمكانية اتخاذ الإجراءات الأمنية الوقائية اللازمة.

الآن تريد تركيا أن تتبع خطوات فرنسا عبر رفع حالة الطوارئ لكن مع تبني قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، للمحافظة على زخم الحرب ضد الإرهاب. ببساطة، ستتبنى تركيا نموذج فرنسا في حالة الطوارئ والحرب على الإرهاب.

يحيى بوسطان – ديلي صباح

زر الذهاب إلى الأعلى