اقـتصــاديـة

تعرف على مشروع “قناة إسطنبول” وصلته باتفاقية “مونترو”

سعت تركيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد عام 2002، إلى استثمار موقع تركيا الجغرافي وارتباطاتها التاريخية في إنشاء المشاريع التنموية الشاملة التي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، لتعزيز دور ومكانة تركيا في المنطقة والعالم، وذلك وفق رؤية الحكومة التركية لأعوام 2023 و2053.

وفي هذا الإطار، توّجت الحكومة التركية مساعيها بإعلانها إطلاق مشروع “قناة إسطنبول” في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول التركية، والذي يوصف بأنه “أحد أكبر المشاريع في العالم خلال القرن الـ21″، حيث سيغير وجه وشكل النقل البحري في تركيا والعالم، إضافة إلى أنه سيكون رافداً جديداً للاقتصاد التركي.

وعلى الرغم من العوائد والمكتسبات الاقتصادية والتجارية التي ستحققها القناة، التي أعلن عن مشروعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2011، إلا أنها لاقت رفضا من قبل بعض أطياف المعارضة التركية بسبب مخاوف تتعلق بالنظام البيئي في مدينة إسطنبول، فضلا عن إثارتها مخاوف بعض دول منطقة البحر الأسود وعلى رأسها روسيا لأسباب تتعلق باتفاقية “مونترو” الخاصة بحرية الملاحة في البحر الأسود.

مواصفات المشروع وأهميته

يقع مشروع “قناة إسطنبول” في الجزء الغربي من مدينة إسطنبول التركية، ويربط بين بحر مرمرة في الجنوب والبحر الأسود في الشمال، بطول 45 كيلو مترا، وعرض يتراوح بين 400  و1000 متر في بعض النقاط، بعمق يبلغ يبلغ 25 مترا.

وستشكل القناة مجرى مائيا موازيا لمضيق البوسفور التاريخي، وسيحوله حال دخولها الخدمة إلى خط ثانوي للتجارة مقارنة بها، خاصة أن القناة ستكون بوابة عبور جديدة إلى البحر الأسود من بحار مرمرة وإيجه والمتوسط.

ومع هذه الميزات التي تشكلها القناة، فإنه حال الانتهاء منها ستتحول مدينة إسطنبول إلى مركز للتجارة العالمية؛ لأنها تطل على بحر مرمرة، المنطقة التي تعد مركزا لأوراسيا بما تحويه من موانئ وشبكات سكك حديدية ومناطق صناعية.

إضافة لذلك، فإن القناة الجديدة ستخفف من الضغط على قناة البوسفور في الشرق، التي تعتبر من أكثر الممرات المائية ازدحاما على الصعيد العالمي، حيث عبرت خلاله في العام 2019 وحده أكثر من 53 ألف سفينة.

وهذا ما أكده وزير النقل والبنية التحتية التركي، عادل قره إسماعيل أوغلو، في الـ5 من نيسان/أبريل 2021، حيث قال في تصريحات صحفية حول أهمية القناة في حركة التجارة العالمية، إن “توقفا محتملا في مضيق البوسفور، حيث ستمر 78 ألف سفينة سنويا في عام 2050، سيشكل خطرا قد يتسبب في أضرار جسيمة للعالم واقتصاد البلاد، كما أن الطلب المتزايد على معبر البوسفور سيؤدي إلى جعل الحركة البحرية مستحيلة، فضلا عن إطالة فترات انتظار السفن، والأهم من ذلك، زيادة احتمالية وقوع حوادث يمكن أن تسبب كوارث بيئية”.

وأضاف الوزير أن  “مضيق البوسفور هو ممر مائي يصعب إدارته بسبب المنعطفات الحادة والتيارات السفلية وحركة المرور الكثيفة”.

وتابع “أوقات الانتظار التي تبلغ حوالي 14 ساعة اليوم ستصل إلى 36-48 ساعة في السنوات التالية.. وهذا عامل سيؤثر سلبا على تدفق التجارة العالمية”، موضحا أن “(قناة إسطنبول) هي ممر مائي مثالي لمرور السفن”.

إيرادات المشروع وانعكاساته على الاقتصاد التركي

تبلغ التكلفة الإجمالية لـ”قناة إسطنبول” 25 مليار دولار، منها 15 مليارا لشق القناة و10 مليارات دولار للمشاريع الجانبية على طرفيها، إلا أنه من المتوقع أن تدر أرباحا مالية كبيرة على الاقتصاد التركي، بحسب الباحث في “مركز دراسات الشرق الأوسط – أورسام” بالعاصمة التركية أنقرة، الدكتور سمير العبد الله.

وقال العبد الله في تصريحات لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “أهمية قناة إسطنبول الجديدة تكمن في الأرباح الاقتصادية التي ستحققها لتركيا، حيث من المقدر أن تدر لتركيا 8 مليارات دولار سنوياً”، منوّها أن “هذه الأرباح قادرة على تغطية تكلفة القناة إذا حققت هذا الدخل خلال سنتين فقط”.

وأضاف أن “هذه الأرباح، تتحقق من خلال زيادة مرور السفن وخاصة السفن العملاقة، وكذلك من خلال المنشأت اللوجستية التي ترغب تركيا بإنشائها على أطراف القناة الجديدة، ومن خلال تحويل السفن من مضيق البوسفور للقناة الجديدة، وخاصة ناقلات النفط ومشتقاته التي بدأت تشكل خطراً على البيئة في منطقة مضيق البوسفور، وبذلك تستطيع تركيا تعويض الخسائر التي تخسرها سنوياً من خلال اتفاقية مونترو والتي حددت تسعيرة منخفضة لمرور السفن”.

وحول الجدل الدائر بسبب مشروع القناة في هذا التوقيت، أضاف العبد الله أنه “بالنسبة للجدل الذي ظهر حول القناة هو مرتبط بالمعارضة التركية التي ترغب بانتقاد أي مشروع كبير تقوم به حكومة العدالة والتنمية، وهذا ماحصل بالنسبة للمشاريع الكبيرة السابقة”، مشيرا أنه “حتى بيان الضباط المتقاعدين مرتبط أيضاً بدعوة الرئيس أردوغان لكتابة دستور جديد لتركيا، بدلاً من الدستور الذي تم وضعه بعد انقلاب 1980”.

وتابع “لتركيا خيارات كثيرة وليس من ضمنها الانسحاب من اتفاقية مونترو، من خلال إيجاد بديل أفضل وأسرع لمرور السفن، لكن في نفس الوقت هناك تخوف من بعض الدول المطلة على البحر الأسود وخاصة روسيا، لأن اتفاقية مونترو منعت دخول السفن العسكرية العملاقة وحاملات الطائرات للدول الغير مطلة على البحر الأسود، والتي سيكون بإمكانها الدخول بعد افتتاح القناة”.

صلة المشروع باتفاقية مونترو

لن تخضع القناة لاتفاقية مونترو التي دخلت حيز التنفيذ عام 1936، بهدف تنظيم حركة مرور السفن الحربية والتجارية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود وفترة بقائها في هذا البحر، وتشمل سفن الدول المطلة (أوكرانيا وروسيا وجورجيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا) على البحر الأسود وغير المطلة.

وتحمل الاتفاقية أهمية كبرى بالنسبة لتركيا لكون بنودها تحدد عدد السفن الحربية والتجارية التي ستمر من المضائق التركية، وأنواعها، ووزن الحمولة المسموحة لها، إذ تم اتخاذ الأمن التركي أساسا في صياغة هذه البنود.

حيث تتحمل تركيا المسؤولية المباشرة عن مرور السفن الأجنبية لحوض البحر الأسود، وعبرت مرارا عن رغبتها في فرض إجراءات أكثر صرامة، تمكنها من التحكم في حركة سفن نقل البترول وغيرها كونها “تشكل خطرا على البيئة”.

وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس السوري التركماني السابق، الأستاذ سمير حافظ، في تصريحات لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “اتفاقية مونترو الموقعة عام 1936، أعطت لتركيا بعض حقوقها في الممرات المائية التي فقدتها في اتفاقية لوزان الموقعة عام 1923”.

وتابع “عندما أرادت تركيا إنهاء الاتفاقية بعد 20 سنة من توقيعها، في العام 1956، اعترضت الدول المانحة: بريطانيا فرنسا اليونان وأستراليا، لتبقى الاتفاقية سارية المفعول حتى يومنا هذا”.

وأوضح حافظ أنه “مع إنشاء قناة إسطنبول، سيتم تأمين فرص عمل كثيرة، فضلا عن  إنشاء مدن صغيره لنصف مليون شخص على أطرافها، وبناء جسور عليها وممرات وأنفاق تحت الماء للسيارات”، لافتا أنه “على العكس من مضيق البوسفور سيكون المرور فيها بمقابل وسيدرُّ على تركيا ما يقارب 10 مليار دولار سنويا”.

وحول أهمية القناة في حركة التجارة العالمية، أشار حافظ إلى أنه “حين تم توقيع اتفاقية مونترو كان معدل عدد البواخر المسموح بمرورها في القناة حوالي 2500 باخرة، في حين يمر الآن نحو 22 ألف باخرة سنويا، الأمر الذي يجعل البواخر تنتظر في بحر إيجه أسبوع أو أسبوعين مما يترتب عليها مصاريف الرسو تبدأ من 10 آلاف دولار أسبوعيا ويزداد المبلغ حسب حجم البواخر”، مؤكدا أن “الأمر سيكون مختلفا في قناة إسطنبول حيث لن يوجد هناك داع للانتظار، خاصة أن ما يزيد عن 40 ألفا من البواخر ستعبر القناة ذهابا وإيابا بشكل سنوي”.

وبيّن حافظ أن “أهم النقاط في قناة إسطنبول، هو أن اتفاقية مونترو تمنع الدول التي ليس لديها شاطئ على البحر الأسود من رسو بواخرها الحربية أكثر من 21 يوما”، لافتا أن “هذا الشرط سيلغى أوتوماتيكيا حين دخول قناة إسطنبول الخدمة”.

واستطرد “برأي الشخصي فإن هذا هو أهم بند.. ستؤدي قناة إسطنبول إلى إلغاء أغلب شروط اتفاقية مونترو تلقائيا”، منوها في الوقت نفسه إلى أن “الدول الغربية تتخوف في المستقبل من إلغاء اتفاقية لوزان (ليس لها زمن محدد)، الأمر الذي قد يفتح على تركيا أفقا لا نهاية له”.

ومن الجدير ذكره أن “قناة إسطنبول” تعد أحد أكبر المشاريع في العالم وتمثل رؤية الحكومة التركية لأعوام 2023 و2053، وتهدف تركيا من خلالها إلى احتلال مركز بين أقوى 10 دول في العالم بحلول الذكرى السنوية الـ100 لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة.

وفي 30 حزيران/يونيو 2021، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “تركيا ستنفذ مشروع قناة إسطنبول كما نفذت المشاريع السابقة والأعمال الخدمية الأخرى، التي نفذت رغما عن حزب الشعب الجمهوري (المعارض)”.

وتابع “نرى أن هذه المشروع سيقدم مساهمة واسعة لحل مشاكل إحدى أكبر مدن العالم (إسطنبول) وإنقاذ مستقبلها وخاصة في ما يتعلق بحركة مرور السفن في مضيق البوسفور، فضلا عن التأهب للزلازل”.

 

 

وكالة ابباء تركيا

زر الذهاب إلى الأعلى