مقالات و أراء

توطين صناعات المستقبل.. كيف تطور اهتمام القطاع الخاص بمجال الفضاء في تركيا؟

بسبب ارتفاع تكلفة المشاريع الفضائية وصعوبة تحقيق دخل تجاري من الفضاء، كان استكشاف الفضاء وتطوير صناعاته حكراً على الدول الكبرى حتى وقت قريب. تغير الوضع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ بدأ رواد الأعمال في تصميم ونشر أنظمة فضائية قادرة على المنافسة للأنظمة الحكومية.

ومع دخول الشركات الخاصة لصناعة الفضاء وسوق منتجاته، بتنا نواجه اليوم مفهوم “الفضاء الجديد”، إذ تبرز الاستثمارات الخاصة والسرعة في التنفيذ. فيما ساهمت المنافسة الكبيرة في سوق خدمات الإطلاق الفضائي بعد عام 2010 في خفض تكلفة الإطلاق الفضائي بشكل أساسي وتوافر المزيد من سعة الإطلاق الفضائية.

وعلى الصعيد المحلي، لم تشهد السنوات القليلة الماضية تمكُّن تركيا، التي أصبحت من بين الدول القليلة القادرة على تطوير أقمار وتصنيعها وإطلاقها بإمكانيات محلية خالصة، من اقتحام عالم الفضاء وتقنياته على المستوى الحكومي وحسب، بل فتحت الباب واسعاً للشركات الخاصة من أجل المنافسة في سباق الفضاء وتطوير المنتجات والتقنيات للمنافسة على مستوى عالمي.

سباق الفضاء الجديد

ضمن مساعيها لتصبح بلداً رائداً في تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية وتعزيز الأمن القومي من خلال الحد من اعتمادها على الخارج، وتتويجاً لرحلتها في تصميم وتطوير الأقمار الاصطناعية وصواريخ إطلاقها طوال الأعوام الـ28 الماضية، أصدر الرئيس التركي نهاية عام 2018 مرسوماً رئاسياً يقضي بتأسيس “وكالة الفضاء التركية” لتكون تابعة لوزارة الصناعة والتكنولوجيا.

والعام الماضي، أعلنت تركيا عن “برنامج الفضاء التركي” الذي يستهدف إرسال مركبة فضائية إلى القمر بحلول 2023 من خلال مركبة محلية ستطلق عبر صاروخ محلي الصنع، سيتبعها فوراً رحلة إلى محطة الفضاء الدولية في الذكرى المئوية للجمهورية التركية التي تصادف العام المقبل. فيما ستشرع في إجراء “هبوط سلس” ضمن المرحلة الثانية التي من المزمع الانتقال إليها في 2028، لتكون بذلك من الدول القليلة التي يمكنها إجراء أبحاث على القمر.

وبالإضافة إلى تزايد أهمية الحضور في السباق العالمي نحو الفضاء، تريد تركيا أن تصل إلى أعلى المستويات من خلال تطوير الصناعات التنافسية بهذا المجال وتعميم استخدام التكنولوجيا الفضائية بما يتماشى مع المصالح الوطنية ورفاه المجتمع، واكتساب تقنيات ومنشآت تضمن الوصول المستقلّ إلى الفضاء، فضلاً عن زيادة خبرة الشركات التركية الخاصة وقدرتها على إنتاج تكنولوجيا الفضاء.

دخول الشركات الخاصة على الخط

إلى جانب وكالة الفضاء التركية والشركات الدفاعية الحكومية، هناك العديد من الجهات الخاصة الفاعلة في سباق الفضاء الجديد في تركيا. طرق موقع TRT Haber أبواب ثلاث شركات محلية وسألهم كيف بدؤوا دراساتهم الفضائية في المقام الأول.

يوضح المؤسس المشارك والمدير العام لبرنامج Hello Space مظفر دويسال أن “Hello Space هي أول مبادرة أقمار صناعية صغيرة للغاية ومتنقلة في تركيا وهي الشركة الثالثة في العالم في هذا المجال، وتحديداً “إنترنت الأشياء” (IoT). وأضاف: “نريد تقديم خدمات البيانات للعديد من القطاعات من الزراعة الرقمية إلى قطاع الطاقة، وقطاع الخدمات اللوجستية. نريد إنشاء شبكة كوكبة من خلال إطلاق 80 قمراً صناعياً”.

فيما قال نائب المدير العام التقني لشركة Plan-S، التي جرى تأسيسها في يوليو/تموز/2021، أوزدمير غوموشاي: “بصفتنا Plan-S، نهدف إلى إرسال أقمار صناعية إلى مدار أرضي منخفض، لتقديم خدمات الاتصال مع هذه الأقمار الصناعية، وتقديم مختلف الخدمات التجارية والمدنية من خلال هذه المدارات. نهدف إلى تقديم خدمة عالمية خاصة في مجال اتصالات “إنترنت الأشياء”. بعبارة أخرى، نحن نتحدث عن خدمة اتصالات لن تغطي المنطقة التركية فحسب، بل العالم بأسره”.

وفي سياق متصل، قال المدير العام لشركة Yongatek Microelectronics علي باران: “عندما بدأنا العمل على الأقمار الصناعية والفضاء في تركيا منذ 3-4 سنوات، لم يكن هناك الكثير من المنظور بأن الاتصالات عبر الأقمار الصناعية ستكون بالغة الأهمية”. وأضاف: “نحن شركة تتعامل مع تصميم الرقائق، تُستخدم الرقائق التي نصنعها في العديد من القطاعات مثل الصناعة الروبوتية والسيارات، وبخاصة في جانب الاتصالات عبر الأقمار الصناعية واتصالات 5G ومعالجة الصور.

إمكانات محلية كبيرة

يرى الفاعلون الذين شاركوا وجهات نظرهم أن تركيا لديها إمكانات جادة لدراسات الفضاء. وقال مظفر دويسال: “لم تتخلف تركيا عن التطور السريع لتكنولوجيا الفضاء، وقد جرى تحقيق اختراقات جادة في هذا المجال. كونك الأول في هذا المجال مهم للغاية. لأن مشروع الفضاء يستغرق على الأقل 6 أشهر أو سنة. حتى لو كان لديك الكثير من المال، لا يمكنك اللحاق بالسباق وأنت بطيء”.

وأردف دويسال قائلاً: “في السابق، كانت دراسات الفضاء في تركيا مدعومة من الدولة. ظهرت الآن شركات جديدة في مفهوم “الفضاء الجديد” وأعتقد أن هذا سيزداد بشكل كبير في السنوات القادمة”.

من جانبه، قال علي باران: “لم يعد لديك فرصة للسيطرة على العالم دون السيطرة على الفضاء”. وأضاف :”نرى دولاً في العالم تحاول فرض أشكالاً من الحظر والقيود. القيود هي في الأساس فرض حظر على بيع منتجات عالية التقنية. في حال قرروا فرض عقوبة على تركيا ستكون في الغالب في مجال الفضاء”.

وأشار باران إلى أن المسألة استراتيجية للغاية لأمن البلاد القومي، خصوصاً مع وجود شركات محلية لديها الخبرة والمعرفة في هذه المجالات.

زر الذهاب إلى الأعلى