روائع التاريخ العثماني

جامع سليمية..درة معمارية عثمانية تخطف الأنظار في الغرب التركي (تقرير)

 

ويتحدى الزمن شامخا منذ أكثر من أربعة قرون، يحتفظ جامع سليمية التركي في ولاية أدرنة، بالاهتمام المتواصل من قبل الزائرين، ويعد تحفة العمارة العثمانية ومحط أنظار الجميع بخصائصه المعمارية الفريدة.

جامع سليمية وصفه المعمار سنان (1489 – 1588م) بأنه تحفة فنية وهو المعماري الذي أشرف على إنشائه، يتلألأ كالعقد الذي يزين مشهد مدينة أدرنة (غرب) بهندسته المعمارية وروعته.

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والفنون (اليونسكو) جامع سليمية على قائمة التراث الثقافي في 2011، وكان أول مسجد يتم إدراجه في القائمة المذكورة، وقد اكتسب شهرة عالمية أكبر بعد الإدراج ليصبح محط أنظار الجميع بخصائصه المعمارية الفريدة.

ومن الخصائص المعمارية التي تميز الجامع عن غيره، قبته العملاقة التي أنشأت كقبة وحيدة دون الارتكاز على أي نصف قبة تدهش المهتمين، ومن يجرون دراسات حول المعمار والهندسة، بارتفاعها البالغ 43 متراً وبقطرها البالغ 32 مترا.

*اهتمام بطراز العمارة

ولجامع سليمية أربع مآذن رفيعة على شكل قلم لكل مأذنة ثلاث شرفات، ارتفاع كل منها 85 متراً، كما يبهر المسجد زواره بجمال باحته ذات الرواق والخزف الملون.

الجامع الذي يراه القادمون إلى المدينة لأول مرة مسجدا صغيرا، يبهر العين بحجمه وروعته كلما اقتربوا منه، ويمثل المبنى الذي شيده بأمر السلطان العثماني سليم، ذروة إتقان المعمار سنان.

المعماري سنان، أشهر معماري الدولة العثمانية، أنشأ الجامع بتكليف من السلطان العثماني سليم الثاني عام 1568، حيث شيده على تلة مرتفعة تطل على كل أرجاء المدينة، واستغرق إنشاءه 7 سنوات وافتتح للعبادة عام 1575 إلا أن السلطان سليم الثاني توفي قبل إتمام البناء بفترة قصيرة.

*تاريخ هام

عن الجامع تحدث المدير العام لوقف مسجد سنان وسلمية والمحاضر في جامعة تراكيا (حكومية)، المهندس المعماري محمد علي أسمر، قال عن الجامع أنه بالإضافة إلى كونه مكانا للعبادة عندما تم بناؤه، كان أيضا بمثابة مركز تعليمي ومكان للاجتماع حيث تمت مناقشة مشاكل المدينة.

وأشار إلى أن المباني العامة في تلك الفترة كانت تستخدم لأغراض عديدة، مبينا بالقول إذا نظرنا إلى سليمية من هذا المنظور، فهو أكبر منطقة تجمع وهو نموذج لدول الأتراك الخمس العظيمة ولأمة واحدة عظيمة.

ويعتبر الجامع بمثابة نقطة النهاية لمغامرة بدأت مع القره خانيين، ويبلغ عمره حوالي 5.5 قرون، وبهذا الصدد جامع سليمية يعتبر قصة مهمة جدا للتاريخ التركي،ة وفق أسمر.

وذكر أسمر أن المنابر التي تظهر في زوايا الجامع كانت تستخدم كمنابر علمية عند بناء الجامع، وأن المنابر في الجامعات جاءت من هنا، كما يتمتع بإطلالة تخلق تصورا لمساحة واحدة، فهو المسجد ذو القبة الأكبر.

وبينما كان المعمار سنان يفعل ذلك، بالطبع أجرى حسابات رياضية رائعة، وعمل بشكل علمي للغاية، وصنع الحسابات الصوتية، وقام بتحليل كل شيء بدء من التهوية وحتى حسابات الزلازل بشكل مثالي، حيث حل كل مشكلة بهيكل الجامع، وفق المهندس التركي.

*نسب بناء متقنة

وحول البناء المتقن للجامع قال أسمر أن أهم ما يميز المسجد نظامه الهيكلي الذي يخفف الحمل عليه، وحمولة القبة موزعة على ثمانية أذرع، تنزل أذرعها الأربعة إلى الدعامات، تلك الدعامات اثنين تلو الآخر على الجانبين، والأذرع الأربعة الأخرى تذهب تحت المآذن.

والمآذن ليست في الواقع لأغراض العرض وحسب، بل أيضا للتثبيت وكل النسب في البناء هي نسب طبيعية، وقد استخدم سنان قياسات النسبة الذهبية بشكل جيد جداً وعندما ننظر إلى المبنى من مسافة بعيدة، نرى أن جميعها ترسم زاوية 52 درجة أفقياً، أي الزاوية التي تتخذها الساعة الرملية بشكل طبيعي عندما تصب رملها على الأرض، بحسب حديث أسمر.

وزاد: هذا هو نظام الدفاع للمبنى ضد الزلازل، لقد استخدم هذا بشكل جيد للغاية، وعند فحص الجامع فإنه يخفي الكثير من الميزات في التفاصيل بحيث يتم إخفاء إتقان معمار سنان وإمضائه على هذه التفاصيل.

*قمة العمارة العالمية

من ناحيته، قال المحاضر في كلية الهندسة المعمارية بجامعة تراكيا عصمت عثمان أوغلو للأناضول أن جامع سليمية هو أحد المباني التي تمثل ذروة الهندسة المعمارية العالمية.

وذكر عثمان أوغلو أن معمار سنان طور نظام الفضاء المركزي بنصف القبة، وجمع المساحة المركزية تحت قبة واحدة في الجامع، وتم تحقيق الوحدة الداخلية والخارجية في المساحة المعمارية، لقد كانت لحظة عظيمة للهندسة المعمارية العالمية، هذا الابتكار هو في الواقع تقدم كبير.

وأضاف أن المعمار سنان بنى العديد من المساجد النموذجية، إلا أن البناء الذي حققه مع جامع سليمية حقق نجاحاً كبيراً للعمارة التركية والعالمية، وكانت في مرحلة متقدمة من الهندسة المعمارية من حيث نظام الرفع والبناء والعمارة، وتقنية البناء والفنون الزخرفية والتصنيع.

وفيما يخص عمليات ترميم الجامع، أوضح عثمان أوغلو أنه تم ترميم الجامع لأول مرة في عهد مصطفى الثالث بعد أن تضرر في زلزال أدرنة عام 1752، والمبنى تم تجديده عدة مرات بعد الترميمات التي تمت في القرن الثامن عشر.

وقال في هذا الصدد: لقد خضع لعملية إصلاح كبيرة في ستينيات القرن الثامن عشر، وفي السنوات التالية كانت تتم الصيانة من وقت لآخر، وحتى الديكورات الداخلية تم تغييرها.

وفي القرن التاسع عشر تم استبدال الزخارف بزخارف الباروك، وكان آخر إصلاح لها عام 1980، وقد خضعت لعملية ترميم شاملة، وتعود الزخارف والأعمال المرسومة يدوياً على القبة إلى تلك الفترة.

وتابع في 2021 بدأت عملية ترميم جديدة في سليمية نظرا للحاجة لذلك واستكمال المشاكل الهيكلية التي نشأت ونواقص الترميم في عام 1980، وأعمال الترميم وصلت إلى نقطة متقدمة للغاية.

وختم بالقول الترميم الذي تم إجراؤه في جامع سليمية هو ترميم علمي للغاية، وسوف يحمي المبنى لمدة 100 عام أخرى.




زر الذهاب إلى الأعلى