عـالـمـيـة

ناجون تحت الأنقاض.. روايات من درنة التي تتشبث بالأمل

ما زال الوضع كارثيا في مدينة درنة (شرق ليبيا) التي شهدت موت آلاف من سكانها جراء الفيضانات، لكن بعض الأخبار النادرة عن انتشال ناجين من تحت الركام تجعل القلوب متشبثة بالأمل الأخير.

ورصد توم كينغتون موفد صحيفة التايمز البريطانية إلى درنة مشاهد عديدة في المدينة المنكوبة بين الحزن والألم لفقد الضحايا وبين الغضب تجاه السلطات والمسؤولين.

في معسكر الهلال الأحمر في درنة، أخيرا وجد المنقذون الذين كانوا يجلسون محبطين سببا للابتهاج.

فقد “وجدوا ناجيا تحت الأنقاض يوم الأحد الماضي بعد أسبوع من الفيضانات، ثم عثروا على شقيقتين. كانتا تصرخان طلبا للمساعدة من دون جدوى، وأرسلتا رسائل عبر الهاتف لكنها لم تصل لأحد. أخيرا تم إخراجهما والدموع تنهمر”، هكذا يروي تامر رمضان رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في ليبيا.

ويضيف رمضان أن ما حدث كان حافزا قويا لفرق الإنقاذ، كانوا في أمسّ الحاجة إليه، فقد “فقدوا أقرباءهم في الفيضانات، وهم منهكون، لكنهم لا يريدون التوقف”.

كانت هذه أخبارا سارة نادرة في درنة بعد انهيار سدي المدينة يوم الاثنين 11 سبتمبر/أيلول الجاري إثر العاصفة دانيال التي هبت على شرق ليبيا، ما أدى إلى تدفق 30 مليون متر مكعب من المياه إلى وادي درنة في قلب المدينة، وانهيار 5 جسور وجرف أكثر من 800 مبنى إلى البحر، وهو ما أودى بحياة الآلاف.

مظاهرة غاضبة لأهالي درنة أمام مسجد الصحابة (رويترز)

غضب الأهالي

وبعد أسبوع من الكارثة، تحول الحزن إلى غضب وسط مزاعم بأن الأمر يرجع إلى الإهمال في صيانة السدين، وهو ما يرتبط مباشرة بفساد السلطات. وأدى هذا الغضب إلى خروج احتجاجات في الشوارع وإشعال النار في منزل رئيس بلدية درنة.

وكان هذا الغضب أكثر مما يحتمل بالنسبة للمسؤولين العسكريين في درنة، والذين قاموا بجمع الصحفيين الأجانب في مركز إعلامي، وأمروا فرق الإغاثة الأجنبية بالبقاء في مقراتها. ومُنع فريق الأمم المتحدة من الوصول إلى المناطق المتضررة، وانقطعت خدمات الاتصالات في المدينة صباح أمس الثلاثاء وهي “وسيلة فعالة لقمع الاحتجاجات”، لكن السلطات أرجعت ذلك إلى قطع أحد الكابلات.

وأكد المسؤولون أن القيود المفروضة على وسائل الإعلام تهدف فقط إلى إبعاد الصحفيين عن طريق عمال الإغاثة، حتى يستطيعوا القيام بعملهم.

ومع ذلك، لم يتراجع الأهالي عن موقفهم يوم الثلاثاء. “أطالب بأن تتم عملية إعادة الإعمار من قبل الشركات الدولية”، يقول مصطفى فكري (54 عاما)، ويتابع “الشركات المحلية تأخذ مليون دينار للمبنى الجديد، وتفعل ذلك بألف (دينار) وتحتفظ بالباقي. العالم كله يراقب الآن، ويجب أن يستمر في ذلك”.

وفي جهة أخرى، لم يكن لوكا روسيلو، وهو قائد فريق إطفاء إيطالي تم إرساله إلى درنة، متفائلا.

يقول روسيلو “الزلازل تدمر المباني وتترك خلفها تجاويف يمكنك البقاء فيها على قيد الحياة لعدة أيام، ولكن هنا ملأ الطين والرمل كل مساحة حتى الطابق الثالث. لقد عملت في زلزال اليابان عام 2011 وبعده زلزال تركيا هذا العام، لكنني لم أر شيئا كهذا من قبل”.

انتشال جثمان أحد الضحايا من البحر (رويترز)

مشاهد مروعة

أما الضحايا الذين لم يدفنوا في الوحل، فقد جرفتهم المياه مباشرة إلى البحر المتوسط، وهم يصرخون طلبا للنجدة غالبا. وقال سالم النعاس، المتحدث باسم الهلال الأحمر، الذي شاهد المنظر المرعب من أعلى مبنى في حالة ذهول “كانوا مثل أشباح تجرفها المياه، وهم يصرخون”.

ويروي عون بن كيال، الذي يسكن على بُعد شارع من السور البحري لدرنة في منطقة نجت فيها المباني من الفيضانات، قصة مشابهة حيث يقول “شاهدت من سطح منزلي أطفالا وهم يصرخون ويلوحون بأيديهم بينما كانت المياه تجرفهم إلى البحر”.

وبدأ جاره يوسف الدباني (70 عاما) في البكاء عندما كشف عن فقد 12 فردا من أقربائه، لكنه أضاف “في الإسلام، الغريق يكون في الجنة شهيدا. وأنا أؤمن بذلك”.

وفي الجانب الآخر من الشارع، جلس طاهر الزاوي (24 عاما) وهو طالب صيدلة، على عتبة منزله، وقال “تركت المياه جثة في مطبخنا و3 جثث أخرى في متجر التلفزيونات المجاور”.

ومع ارتفاع منسوب المياه، هرع هو وشقيقه إلى شرفة الطابق الأول، ونظر كلاهما في الوقت المناسب ليشاهدا يدا ممتدة وسط تيار المياه المتدفق.

وتابع “انحنيت من الشرفة، وأمسكت بها وسحبتها، متوقعا انتشال جثة. لكنني أدركت أن الشخص لا يزال على قيد الحياة. قمنا بسحبه واكتشفنا أنه رجل مصري. لم نعلم أي شيء آخر عنه، حيث كان في حالة صدمة شديدة لدرجة أنه لم يقل كلمة واحدة حتى جاءت سيارة الإسعاف في وقت لاحق”.

وفي مشهد آخر، كان هناك شيخ يشرف على تنظيف مسجد الصحابة. وقد تمت إزالة سيارة محطمة جرفتها المياه إلى داخل المسجد، ولكن ما زال على العاملين إزالة الطين.

وخارج المسجد، تم تطويق أرض مليئة بالركام بشريط باللونين الأحمر والأبيض. وقال الشيخ وهو يشير إلى الموقع إنها مدافن 70 من صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وكان الموقع قد هدم على يد تنظيم الدولة الإسلامية عندما سيطر على درنة لفترة وجيزة في 2015. والآن أتت الفيضانات على ما تبقى منه، حيث دمرت الصخرة التي كانت القبور قائمة عليها.

ولكن الشيخ لم يشعر بالإحباط حيث قال “لا يزال هناك بعض الشهداء مدفونين في الأعماق. الله يحفظهم”.

المصدر : تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى