مقالات و أراء

خائفون يبحثون عن ملجأ بديل.. كيف تؤثر الانتخابات التركية على اللاجئين السوريين في تركيا؟

عشية الجولة الثانية من الانتخابات التركية الرئاسية، التي ستقام يوم الأحد، 28 مايو/أيار، سيترقب السوريون النتائج باهتمام كبير ربما يفوق اهتمام الأتراك أنفسهم، فمصير السوريين أصبح الدعاية الأبرز للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ومع اتفاق الأطراف المتنافسة على ضرورة عودة السوريين لبلادهم، يبرز خطاب عدائي وشديد العنصرية من المعارضة التركية ومرشحها كليجدار أوغلو، الذي تحالف مع أسوأ الأحزاب العنصرية التركية (حزب الظفر) ورئيسه أوميت أوزداغ، والهدف الرئيسي لهذا التحالف هو طرد السوريين بالقوة من تركيا خلال سنتين، عن طريق اتفاق مع بشار الأسد، وخروج الجيش التركي من سوريا، مع عدم مراعاة المخاطر التي من الممكن أن يتعرّض لها السوريون المعارضون للأسد، وعدم الاهتمام بالجرائم الإنسانية التي من الممكن أن تتسبب بها المعارضة إذا قامت بمثل تلك الخطوة.

 

في المقابل، يبدو خطاب التحالف الحاكم أكثر اتزاناً بالنسبة للسوريين، فهو وإن كان موافقاً على ضرورة عودة السوريين إلى بلادهم، إلا أنه لا يتحدث عن إعادة الجميع، بل إعادة قسم كبير منهم بعد توفير البيئة اللازمة لتلك العودة، والتي تضمن عودة السوريين بشكل طوعي وآمن بإبرام الاتفاقيات السياسية اللازمة مع مختلف الأطراف، وعدم إجبار أحد على العودة، وإنما توفير بيئة تقنع السوريين بالعودة، يتضمن هذا الخطاب أيضاً شيئاً من العرفان تجاه السوريين ومساهماتهم الاقتصادية والإنسانية في المجتمع التركي، في مقابل نكران المعارضة لأي دور للسوريين في الاقتصاد التركي، وتحميلهم جميع أسباب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، والتضخم والمبالغة جداً في أعدادهم.

كثير من السوريين يفكرون جديّاً بالبحث عن وطن بديل إذا ما فازت المعارضة التركية بالرئاسة، فهم يعانون من العنصرية بشكل كبير، رغم عدم تبني الحكومة الحالية أي خطاب عنصري تجاههم أو تجاه غيرهم من اللاجئين، لذلك يتوقعون الأسوأ في حال فوز المعارضة بالانتخابات، ذلك أن العنصرية هي جزء من دعايتها الانتخابية، بل تكاد تكون المؤشر الوحيد الذي من الممكن أن تتفوق به على التحالف الحاكم، ومع صعوبة تحقيق الأهداف الاقتصادية الحالمة التي تطرحها المعارضة سيكون ترحيل السوريين هو الهدف الأساسي الذي ستدندن به في السنوات المقبلة، والذي ستجعله معياراً لتحقيق وعودها الانتخابية.

 

المشهد التركي العام لا يتوقف عند السوريين وترحيلهم من البلاد، فهناك ملفات كثيرة ستعاد صياغتها في تركيا في حال فازت المعارضة، ربما أهمها إعادة رسم خريطة العلاقات الدولية والإقليمية ووضع حد لدور تركيا المتنامي في الناتو، وفي مختلف الصراعات في المنطقة.

فجميع المؤشرات التي ترسلها المعارضة للغرب ولجمهورها تنبئ بأن تركيا ستعود لترتمي في أحضان أوروبا، في محاولة أخيرة للانضمام للاتحاد الأوروبي، ولو كان ذلك مقابل التخلي عن شخصية تركيا الكبيرة في المنطقة، وعن عدد كبير من المكاسب السياسية. وربما هذا ما هو مطلوب من المعارضة مقابل دعمها أوروبياً وأمريكياً، إعادة تركيا لدولة سهلة وتابع إقليمي ينفذ سياسات الغرب دون أي مراوغة أو اعتراض.

ستتعطل العلاقات المميزة مع روسيا، وستنضم تركيا إلى جانب أوكرانيا بوضوح في الحرب الروسية الأوكرانية، سيتم طي العديد من ملفات الإرهاب وإعادة العلاقات مع منظمة غولن وقنديل، لن تستمر تركيا في معارضة انضمام السويد للناتو، وستنسحب من كل المواقف التي كانت تتخذها في القضايا الإسلامية العامة في محاولة لإعادة وجه تركيا العلماني عالمياً، وإعادة ترسيخه داخلياً.

ربما لا يعاني الأتراك المتدينون من العنصرية في الفترة القادمة، ولكن سيظهر تفوق التركي العلماني عن طريق الاعتماد عليه بشكل أكبر في إدارة ملفات الدولة والتمثيل الداخلي والخارجي في الملفات المهمة.

سيكون هناك تحسّن طفيف في الاقتصاد، وتحسّن في سعر صرف الليرة التركية ربما يمتد لسنتين، ولكن هذا التحسن لن يستمر طويلاً؛ لأنه سيقوم على امتصاص الأزمة الاقتصادية عن طريق الاستدانة التي بشّر بها كليجدار أوغلو عندما قال إن 300 مليار دولار جاهزة في أوروبا بانتظار فوزه، كما سيكون لرفع معدلات الفائدة في البنوك التركية دور في انتعاش مؤقت للاقتصاد التركي، ولكن هذا الانتعاش ربما يُراكم نسبة التضخم بشكل كبير خلال عامين إلى ثلاثة أعوام لترتفع بعدها بشكل متسارع وتواكب الأزمة العالمية المرتقبة.

ستنسحب تركيا من الملفات الشائكة في المنطقة، وتحاول بناء علاقتها مع جيرانها الإقليميين والعرب بأبعاد اقتصادية فقط، فبالإضافة لانسحاب تركيا من سورية ستنسحب من ليبيا ومن السودان والصومال في مقابل مكاسب اقتصادية آنية واستثمارات في السوق التركي تقدمها الإمارات والسعودية بشكل أساسي، وربما تحتفظ تركيا بعلاقات مميزة ووجود في أذربيجان إرضاء للتيار القومي التركي، ولكنه هذا الوجود لن يكون بأبعاد استراتيجية.

سيتم إيقاف العديد من المشاريع الدفاعية والصناعات الثقيلة بحجة أنها تستنزف ميزانية الدولة في مقابل عقد العديد من الصفقات لاستيراد هذه الصناعات مع الأوروبيين والأمريكيين، بما يعيد فتح السوق التركي أمام هذه الدول من جديد، مع تخفيض للميزانية الدفاعية عموماً.

بشكل عام ستعقد المعارضة المشهد الدولي من حولها؛ لأن كل هذه التغييرات لن تكون منسجمة مع التوجه التركي الذي استمر لعشرين عاماً، وستكون هذه التغييرات منفصلة عن سياقها، وربما تتسبب بأزمات في المحيط الإقليمي لتركيا، خاصة بما يتعلق باللاجئين وإعادتهم بالإكراه، فهذه الإعادة ستنجم عنها زيادة تدفق للاجئين لأوروبا، بالإضافة إلى زيادة انخراط الناس بالفصائل المسلحة في الشمال السوري من أجل الدفاع عن أنفسهم بعد تخلي الحليف الوحيد عنهم، مما سيشعل حرباً على الحدود التركية ستكون فيها (قسد وقنديل) لاعب رئيسي ربما يجعل آثار الحرب تمتد للجنوب التركي سريعاً قبل أن تعيش المعارضة شهور عسل من الإنجازات التي تعد بها المواطنين الأتراك، وسيدخل على الساحة الإقليمية لاعبين جدد لملء الفراغ الذي سيتركه الجيش التركي، وربما بين هؤلاء اللاعبين ستكون دول من مصلحتها إضعاف تركيا لفترات طويلة لاحقة وإغراقها في حروب وأزمات لا تسمح بعودة التحالف الحاكم إلى قوته السابقة في حال عودته لحكم البلاد بعد 5 سنوات.

إن التحالف الحاكم يطرح مسألة عودة اللاجئين بطريقة حصيفة تمتاز بنزع كل المخاطر التي من الممكن أن تنتج عنها هذه العودة، بما في ذلك التأثير على الاقتصاد التركي وإدارة التدفق إلى أوروبا، ويعمل على أن تتم هذه العودة بإشرافه وتحت سيطرته الكاملة عبر وجود الجيش التركي في مساحات واسعة من الشمال السوري وتحكمها بشكل كبير بقدرة المنظمات الإرهابية في شمال سورية والجنوب التركي على القيام بأي هجمات ضد المصالح التركية، بينما تطرح المعارضة ذات الأمر بأسلوب عنيف وكارثي ولا إنساني، ربما يتولد عنه كوارث إنسانية واقتصادية وعسكرية في المنطقة تغرق تركيا ومن حولها في مستنقع من الحروب والأزمات.

إن أهم أهداف المعارضة في حال فوزها قائم على خطاب شعبوي غير متزن وغير مدروس النتائج، وعلى الناخب التركي أن يفكر بمصالحه باتزان قبل أن يقرر أن يدعم تحالفاً لا تزال قياداته تتخبط فيما بينها، وتعلن كل يوم اختلافها واتفاقها في إدارة دولة شديدة الأهمية، دون أن تكون هناك رؤية مشتركة أو فهم متسق للملفات التي تديرها الدولة إقليمياً ودولياً.

 

 

أحمد وديع العبسي
صحفي سوري

زر الذهاب إلى الأعلى