مقالات و أراء

صراع وقوده اللاجئون والمجنّسون!

لم تكد تنتهي آثار عاصفة الرسائل التي وصلت للكثير من اللاجئين السوريين في تركيا والتي تبلغهم أنهم مشمولون ببرنامج “العودة الطوعية” وعليهم مراجعة دائرة الهجرة في ولايتهم خلال عشرة أيام، بعد أن أعلنت تلك الدائرة تنصّلها من تلك الرسائل وتأكيدها أنها لم ترسل أية رسائل لهواتف السوريين من هذا القبيل، حتى لفحت عاصفة جديدة وجوه السوريين مجدداً ممن هم بالمرحلة الرابعة للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، حيث وصلت بعضهم رسائل جديدة أبلغتهم أنه تم إزالة ملف تجنيسهم دون بيان سبب ذلك الإجراء كالعادة بطبيعة الحال (!) والذي سرعان ما تضاربت التصريحات الرسمية بشأنه بين نفي للمسألة برمتها، وبين من استدار في الإجابة قائلاً إنه يَجري إعادة الملفات التي أزيلت إلى وضعها السابق، وبين من قطع في تأكيده وزاد عليها أنها ستشمل حتى من حصلوا على الجنسية سابقاً، حيث سيُصار إلى إعادة التدقيق بملفاتهم وإسقاط الجنسية عمّن يثبت انتماؤه لمنظمات إرهابية، أو يشكّل خطراً على الأمن القومي والسلامة الوطنية (!) .

 

 

ومع التسليم بالحق السيادي للدولة – أي دولة – في تقرير سبل وطرائق منح جنسيتها لغير مواطنيها وشروط ذلك وفق موجبات قانون الجنسية الذي تشرّعه السلطات التشريعية المختصة في تلك الدولة، ومع التسليم أيضاً أن إتاحة السبيل للحصول على تلك الجنسية ودعوة أناس اختارتهم سلطات تلك الدولة نفسها لتقديم أوراقهم للحصول على جنسيتها، لا يعني بالضرورة أنها صارت مُلزَمة بمنحها لهؤلاء المتقدمين، لكن وعلى الوجه الآخر فهذا لا يتيح لها أيضاً إهدار حق التقدم عليها لمن يعتبرون أنفسهم مستوفين لشروطها دون بيان أسباب إهدار هذا الحق ليكون القضاء فيصلاً بين شخص يعتبر نفسه أنه مستوفٍ للشروط القانونية التي وضعتها الدولة ذاتها، وبين سلطة لها رؤيتها وأسبابها الموضوعية والقانونية بشأن ذلك. هذا فيما يتعلق بحقوق المتقدمين ممن لم ينالوا الجنسية بعد.

أما أولئك الذين حصلوا عليها فعلاً وصاروا مواطنين، فبالتأكيد الإجراءات ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً بالنسبة للحكومة ، فالمُجنّس اكتسب مركزاً قانونياً صار بموجبه مواطناً كامل المواطنة، يباشر بموجبه كامل الحقوق ويؤدي كافة الالتزامات، والقول بمراجعة ملفات هؤلاء مجدداً بعدما أُشبعت دراسةً وتمحيصاً على مختلف المستويات ومنها القضائية والأمنية بزعم أن بعضهم قد يكون منتمياً لمنظمات إرهابية أو مروّجاً لأفكارها أو يمثّل خطراً على الأمن القومي، فإن ذلك لا يُلغي المركز القانوني المكتسب للمجنّس بل يمنحه الأحقية بمراجعة القضاء بصفته مواطناً لمواجهة قرار قد يسلبه حق المواطنة دون أسانيد وأدلة قاطعة، ودون أن يكون ذلك خارج نطاق ما حدّده قانون الجنسية الوطني نفسه عن الأسباب القانونية لسحب أو إسقاط الجنسية ليس فقط عن الأجنبي المجنّس بل وأفترض أيضاً عن المواطن بالمولد إعمالاً لمبدأ المساواة في المواطنة.

 

 

وهذه الأسباب يأتي ذكرها بالقانون عادة على سبيل الحصر ولا يجوز بالتالي التوسع في تأويل مدلول النص أو إضافة أسباب لم ترد فيه .. وهي:

أولاً: يمكن فقدان الجنسية التركية للأشخاص الذين تحدد السلطات الرسمية أنهم بناءً على اقتراح الوزارة وقرار من مجلس الوزراء:

أ‌) المقيم في دولة أجنبية، والذي يعمل ويؤدي خدمة لا تلبّي مصالح تركيا خارج وطنه إذا استمر بالعمل بعد إخطاره مع منحه مهلة 3 شهور لترك ذلك العمل والخدمة.

ب‌) العمل مع دولة في حالة حرب مع تركيا، وجميع أنواع الخدمات التي يقوم بها التركي دون إذن من وزراء المجلس، وذلك إذا استمر في العمل بمحض إرادته.

ت‌) من يؤدون الخدمة العسكرية طواعية في خدمة دولة أجنبية دون الحصول على إذن.

ثانياً: التخابر ضد الدولة وأراضيها.

ثالثاً: ممارسة العنف والشدّة ومخالفة الدستور التركي.

رابعاً: اغتيال رئيس الجمهورية.

خامساً: عرقلة عمل البرلمان باستخدام العنف والشدة.

 

 

وتُوجِب الأسباب السابقة سحب الجنسية من المجنّسين عن طريق الأصول، وكذلك من المجنّسين استثنائياً، لكن يُضاف إليها في الجنسية الاستثنائية سببان إضافيان وهما تقديم وثائق مزوّرة، والانضمام إلى جماعات إرهابية.

وبالتالي فإن توفّر أحد تلك الأسباب يمنح الحق للسلطة العامة بسحب أو إسقاط الجنسية دون إلغاء حق صاحبها في مراجعة القضاء لإثبات عكس ما نُسب إليه وكان ذلك أساساً اعتمدت عليه السلطات في قرارها.

 

وبالعودة إلى بدء.. فإنه يحق للاجئ السوري وفي ضوء تنصّل سلطات الهجرة من الرسائل الأولى المتعلقة بمشروع العودة الطوعية، وكذلك في ضوء تضارب التصريحات المتعلقة بإزالة ملف الجنسية، أن يطرح سؤالاً عن كيفية حصول أولئك الذين يفعلون ذلك ويثيرون تلك العواصف والهواجس على الأرقام الهاتفية التي تخص السوريين فقط، وعن كيفية معرفتهم بمضامين ملفات التجنيس التي تمت إزالتها وقيل إنه يتم إرجاعها حالياً، وعن مدى قدرة هؤلاء على إزالة تلك الملفات فعلياً ومخاطبة أصحابها بالمراسلة على هواتفهم، وعما إذا كان ذلك جزءاً من سياسة الحكومة المستجدّة تجاه اللاجئين ومقتضيات تطبيق مشروع (العودة الطوعية)، أم هو صراع على النفوذ والقرار داخل مؤسسة رئاسة الهجرة التركية بين تيارين أحدهما يعتقد بوجوب خلق مناخ عام رافض لاستمرار بقاء اللاجئين السوريين وفرض ترتيبات قانونية تسهّل وتسرّع عودتهم أو إعادتهم عبر تلك الإجراءات، وتيار آخر يؤمن أو صار مضطراً للتعامل مع الموضوع ضمن خيار تطبيق مشروع “العودة الطوعية”، ولكن ليس بتلك الطريقة أو الآلية المتسرعة والفجّة التي قد يترتب عليها انعكاسات سياسية وقانونية خارج النطاق الوطني.

لم يعد الخيار بين ترحيل السوريين أو إبقائهم، منذ أن فرضت القوى العنصرية وبعض الأدوات السياسية المعارضة هذا الملف كأولوية لحشد الأنصار والدعم في الصراع السياسي والانتخابي وأجبرت حتى التحالف الحكومي على وضع هذا الملف ضمن أجندة عمله إرضاء للمزاج الشعبي العام الرافض والنابذ لوجود السوريين.. بل صار الخيار محصوراً في متى وكيف نقوم بترحيل السوريين والنبش في ملفات تجنيس بعضهم عسى أن نحصل على ما يمكّننا من إسقاط أو سحب الجنسية منهم؟، حتى ليصحّ القول إن الصراع السياسي والانتخابي اليوم في تركيا وللمرة الأولى – وربما الأخيرة – هو صراع وقوده اللاجئون والمجنّسون من المغضوب عليهم.. السوريين!

 

بقلم المحامي غزوان قرنفل

زر الذهاب إلى الأعلى