مقالات و أراء

محاولة إسقاط الوضع الفرنسي على تركيا

الأحداث المتفاقمة في فرنسا بدأت بسبب مقتل شاب جزائري على يد الشرطة بحجة عدم امتثاله للأمر بالتوقف، وقد إلى إثارة الجدل حول قضايا متعددة كالاستعمار والمهاجرين والعنصرية والقومية كما قام البعض بالمقارنة بين هذه الأحداث ووضع اللاجئين في تركيا.

من الطبيعي أن تؤدي الأبعاد المختلفة لحدث ما إلى المقارنة بينه وبين أحداث متشابهة في بعض الجوانب في بلدان أخرى، لكن يجب التركيز على كلمة “الأحداث المتشابهة في بعض الجوانب”. فكما هو معروف ثمة الكثير من اللاجئين في تركيا، وعند المقارنة بينهم وبين الوضع في فرنسا ينبغي النظر إلى الأسباب التي دفعتهم إلى المجيء إلى تركيا والطريقة التي جاؤوا بها، وسلوك الدولة والمجتمع التركي تجاههم، ولكن يظهر الاختلاف واضحًا عند المقارنة بين فرنسا وهويتها الاستعمارية وبين تركيا وهويتها الثقافية عبر تاريخها الطويل.

أما المهاجرون الذين ظهروا اليوم في الاحتجاجات في فرنسا فهم موجودون في فرنسا منذ عدة أجيال وجميعهم تقريبًا يحملون الجنسية الفرنسية ويقدمون جميع أنواع المساهمات لفرنسا من خلال أداء الخدمة العسكرية ودفع الضرائب والقيام ببعض الأعمال التي لا يستطيع الفرنسيون القيام بها، حتى أنهم يرون أنفسهم فرنسيين ويدافعون عن فرنسا في كل فرصة.

وبفضل المهاجرين أيضًا تستطيع فرنسا الحفاظ على نفوذها الاستعماري على بلادهم، فالعلاقات بين فرنسا وهذه الدول قائمة بفضل أنشطة هؤلاء السكان المهاجرين، كما تحاول فرنسا التحكم في الجزائر وتونس والمغرب والسنغال ومالي والعديد من البلدان الأفريقية الأخرى من خلال جالياتها الموجودة في فرنسا، فالحقيقة أن فرنسا هي المستفيدة من المهاجرين وهم ليسوا عبئًا عليها كما تدعي.

ورغم كل ما تقدم لم تقم فرنسا باتخاذ خطوات جادة لقمع العنصرية -وخاصة عند السياسيين- أو تعليم المهاجرين ودمجهم مع الشعب الفرنسي بل على العكس من ذلك فإن العنصرية تغلغلت في أعماق المجتمع وانعكست على تصرفات الشرطة والمؤسسات الرسمية، ففرنسا لا تعبأ بشعب استغلته وترفض دفع أي ثمن عوضًا عن هذا الاستغلال. وقد نجم عن ذلك هذا الغضب الذي انفجر أخيرًا.

لا يمكن مقارنة وضع المهاجرين في فرنسا ومقارنة تصرفاتهم وردود أفعالهم مع المهاجرين في تركيا بل لا يمكن المقارنة مع ألمانيا حتى رغم أنها هي أيضًا دولة أوروبية، فوضع الأتراك في ألمانيا مختلف، فالعمال الأتراك الذين ذهبوا إلى ألمانيا ذهبوا بمحض إرادتهم والألمان راضون عن جهودهم بل يمكن القول إنهم ممتنون لهم أيضًا، أما بالنسبة للسوريين في ألمانيا فصحيح أن ألمانيا استقبلت مليون سوري بعد أن انتقتهم انتقاء إلا أنها تقوم بسياسات جادة لدمجهم مع المجتمع، لكن توجد بعض الادعاءات بأن سياسة الاندماج التي تقوم بها ألمانيا لا تسعى إلى دمج المهاجرين فقط بل تهدف إلى طمس هويتهم الأصلية أيضًا، كما تقوم ألمانيا باتباع سياسات حازمة لمكافحة العنصرية التي تظهر في المجتمع من حين لآخر، أخيرًا يمكن القول إن هذا كله يرجع لعدم وجود تاريخ استعماري لألمانيا كما هو الحال لدى فرنسا.

أما بالنسبة لتركيا فبالإضافة إلى 3.5 مليون سوري يوجد ما يقارب 4-5 ملايين مهاجر جميعهم لجؤوا إلى تركيا بسبب الظروف الصعبة في بلادهم وعلى الرغم من الروابط التاريخية والثقافية بين تلك الدول وتركيا إلا أن تركيا لم تستغلها لتحولها إلى علاقة استعمارية أبدًا مثل فرنسا بل استضافتهم بأسمى الطرق الإنسانية التي تناسب تاريخها وثقافتها وهويتها النبيلة ولم تتركهم لقدرهم.

والأحداث التي تجعل تلك البلدان غير صالحة للسكن وتجبر سكانها على اللجوء إلى تركيا هي من صنع فرنسا وبعض الدول الأخرى مثل أمريكا وروسيا، حيث تلعب فرنسا دورًا واضحًا في الأحداث التي حصلت في سوريا وأجبرت 3.5 مليون من سكانها على اللجوء إلى تركيا فهي قد دعمت الأسد وحزب البعث منذ البداية وأقامت علاقات مع إيران التي شاركت في دمار سوريا. مما اضطر الشعب السوري الذي تعرض لمجازر على يد حكامه إلى اللجوء إلى بعض الدول ومن بينها تركيا التي عاملتهم أفضل معاملة.

ولا يوجد وجه شبه هنا بين فرنسا وتركيا إلا سياسة فرنسا الاستعمارية العنصرية التي يتبعها بعض السياسيين في تركيا عن طريق نشر العنصرية و “كراهية الأجانب” ضد السوريين مستغلين ذلك لكسب الوضع السياسي. وأما الذين يدعون إمكانية قيام المهاجرين في تركيا باحتجاجات دموية كالتي قامت في فرنسا فهم كمن يعترف بأنهم هم أنفسهم من يحرض على ذلك.

وإذا لم يتم إيقاف هؤلاء السياسيين الخطرين فيمكن أن يحصل ما تكهنوا به من دمار بسبب سياستهم التحريضية، فإذا لم يوضع حد لهذه السياسات التحريضية العنصرية المثيرة للاشمئزاز يمكن أن تتسبب بحصول اضطرابات في المجتمع إذ يكمن توقّع ذلك من الآن وإذا حصل فلن يكون بسبب المهاجرين بل بسبب الذين يقومون بالتحريض ضدهم، بإذن الله لن يسمح الشعب التركي الشريف لهؤلاء الأوغاد بتحقيق مآربهم.

وكما قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك مخاطبًا القتلة الذين أبلغوا عن جريمتهم مسبقًا: تتبع تركيا سياسة قوية لتوطيد السلام في منطقتنا والمناطق البعيدة أيضًا لكي لا يُهجّر أحد من موطنه وليعود من هرب من الموت إلى وطنه سالمًا غانمًا.

وكما قال الرئيس أردوغان: “لم نكتف بفتح أبوابنا فقط لإنقاذ حياة وكرامة المظلومين بل بذلنا -وما زلنا نبذل- كل جهد لإعادتهم إلى ديارهم، فمنذ عام 2016 عندما بدأت تركيا عملياتها خارج الحدود لتخفيف المأساة الإنسانية المتفاقمة في سوريا وحتى يومنا هذا عاد قرابة 500 ألف سوري إلى المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا، حيث نعمل على دعم استراتيجيتنا في الحفاظ على الهجرة خارج الحدود بمشاريع من شأنها تشجيع العودة الطوعية”.

ياسين أقطاي – يني شفق

زر الذهاب إلى الأعلى