اقـتصــاديـة

منطقة للتبادل الحر وتوسع بالاستثمارات.. زيارة أردوغان للجزائر تفتح آفاقا اقتصادية جديدة

“أتمنى أن يكون هذا المنتدى بداية جديدة للعلاقات الجزائرية التركية”، كان ذلك من أبرز ما صرّح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال إشرافه أمس الأحد على انطلاق لقاء مشترك بين رجال أعمال البلدين، ضمن زيارة صداقة وعمل قادته إلى الجزائر.

ورد الرئيس عبد المجيد تبون بالقول إنهما اتفقا على رفع المبادلات التجارية إلى ما يفوق خمسة مليارات دولار قريبا، وعلى إرساء تواصل يومي بين الوزراء الجزائريين ونظرائهم الأتراك حتى لا يتركوا أي مجال لسوء التفاهم.

كما ترجم الطرفان تلك الإرادة الثنائية عبر سلسلة من القرارات الفورية، أهمها توقيع رئيسي البلدين على تأسيس مجلس تعاون رفيع المستوى، والتخطيط لعقده “في أقرب الآجال”.

وكشف الجانبان عن تحضير المفاوضات لإنشاء منطقة للتبادل الحر، وعن عقد قمّة “أفريقية تركية جزائرية” قريبا، حيث نوه أردوغان بأن الجزائر ستكون فاعلا أساسيا فيها، كما تعهد بتقديم تسهيلات في منح التأشيرات للجزائريين، بعدما أصبحت بلادهم تحتل المركز الثالث في مصانع تركيا عبر العالم، على حد قوله.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، قال أردوغان إن الجزائر عنصر استقرار وسلام في هذه المرحلة الصعبة التي تجتازها المنطقة، والتطورات في ليبيا.

من جانبه، قال الرئيس الجزائري تبون إن تركيا تحولت إلى دولة من أقوى الاقتصاديات خارج الاتحاد الأوروبي، مؤكدا قبوله دعوة الرئيس أردوغان لزيارة بلاده.

وأعلن كذلك عن إنشاء مركز ثقافي تركي في الجزائر، ومركز ثقافي جزائري في تركيا.

وتشير الأرقام الرسمية في الجزائر أنه بين عامي 2003 وبين 2017، تم الإعلان عن 138 مشروعا استثماريا تركيا بمبلغ قدره 4.74 مليارات دولار، والمتوقع أن تسمح هذه الاستثمارات بإحداث قرابة أربعين ألف فرصة عمل.

وبلغت المبادلات التجارية بين البلدين أكثر من أربعة مليارات دولار في الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2019، مما يجعل تركيا خامس أكبر شريك تجاري للجزائر.

وتعمل حاليا حوالي ألف شركة تركية في الجزائر، في حين يتجاوز عدد الجالية التركية بالجزائر عشرة آلاف شخص، بما في ذلك المديرون والفنيون والعاملون في مختلف المجالات المهنية.

دون المطلوب
عن واقع تلك العلاقات الثنائية، يعتقد أحمد صادوق، رئيس لجنة الصداقة البرلمانية الجزائرية التركية، أن حجم التعاون والتبادل لا يرقى إلى المستوى المطلوب، حيث إن التأشيرة لا تزال مفروضة بين البلدين، مما يشكل عائقا أمام التطوير.

وقال إن رقم خمسة مليارات دولار حجما للتبادل سنويا غير كاف، إذا ما قورن بالإمكانات الاقتصادية والقدرات التنموية للبلدين وحتى الفرص المتاحة.

وأضاف في تصريح للجزيرة نت، أن تركيا تستثمر في الجزائر من خلال حوالي تسعمئة مؤسسة اقتصادية، وتوظف بشكل مباشر ما يزيد على ثلاثة آلاف عامل، إضافة إلى آلاف المناصب غير المباشرة، وهو رقم يفوق في حجمه بكثير ما توظفه الشركات الفرنسية التي حظيت بالتفضيل خلال عهد بوتفليقة، على حد تعبيره.

فرصة تاريخية
أما عن الآفاق المستقبلية، فأكد صادوق أن الجزائر وتركيا أمامهما فرصة تاريخية اليوم لتطوير علاقاتهما الاقتصادية، وأرجع ذلك إلى “اجتثاث جزء من اللوبي الفرنسي المتمثل في البيروقراطية بعد حراك 22 فبراير/شباط، والذي طالما أجهض هذا التعاون بسبب الولاء وتشابك المصالح مع فرنسا وبعض دول الغرب”.

وأوضح أنه كان شاهدا على ما دار في كواليس زيارة أردوغان للجزائر سنة 2018، حيث قدم لها عروضا خيالية، لكنها دُفنت بمجرد انتهاء الزيارة، لأن الوزير الأول السابق أحمد أويحيى تلاعب في الردود والتسويف حتى فوّت فرصة حقيقية على البلاد، وفق تعبيره.

وأضاف أن عنوان الاقتصاد الناجح والنامي الآن تحوّل مركزه إلى الشرق، حيث ماليزيا وإندونيسيا والصين وتركيا وغيرها، وإذا كانت الجزائر تبحث فعلا عن مصلحتها فعليها أن تغير البوصلة، خصوصا أنها خسرت كثيرا مع شركائها التقليديين الذين لن يقبلوا أبدا بتطورها.

وتابع أن تركيا عازمة على استثمار كبير في أفريقيا على قاعدة “رابح- رابح”، وعلى الجزائر أن تستغل ذلك باعتبارها بوابة القارة، وتستعمل ذكاءها وحسها القيادي بصفتها دولة محورية، لتكون في صدارة الدول الأفريقية.


المبادلات التجارية بين تركيا والجزائر بلغت أكثر من 4 مليارات دولار خلال عام 2019 (رويترز)
المبادلات التجارية بين تركيا والجزائر بلغت أكثر من 4 مليارات دولار خلال عام 2019 (رويترز)

بيئة حاضنة
على صعيد آخر، قال عبد الوهاب جعيجع، العضو بأكاديمية الغد للبحث والاستشراف، إن تركيا وبعد اصطدامها بالتماطل في قبول عضويتها بالاتحاد الأوروبي اتجهت نحو محيطها العربي والإسلامي، محاولة أكثر استمالة دول الخليج، حيث نجحت مع بعضها وفشلت مع أخرى.

واعتبر في تصريح للجزيرة نت، أن الأمر يختلف مع المغرب العربي، حيث البيئة السياسية والتاريخية أكثر استعدادا للتعامل مع تركيا الحالية، باعتبارها تحفظ كثيرا من الاحترام لتركيا التاريخية العثمانية التي ترتبط بها المنطقة، والجزائر منها على وجه الخصوص.

وبذلك فهي أقل احتضانا لعوامل الاستعداء من المشرق، سواء فيما نشهده اليوم مع مصر والسعودية والإمارات، أو حتى لرواسب تاريخية تعود إلى عهد “الثورة العربية” ضد الدولة العثمانية، على حد تعبيره.

وأوضح أن تركيا اليوم تحتاج للخروج من القوقعة التي فرضتها عليها القوى الغربية بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى في معاهدة لوزان عام 1923، والتي ستنتهي بتجاوز سنتها المئة، أي بعد ثلاث سنوات.

وعليه فهي تعمل على التغلغل في المغرب العربي -كما يقول جعيجع- حيث تتجه نحو ليبيا لحماية الحكومة الشرعية، وهو استباق لقيام نظام معادٍ للأتراك يقوده حفتر، كما تتجه نحو الجزائر كونها محور الشمال الأفريقي وقلب المغرب العربي، لما لها من أهمية جيوسياسية، يمثلها الموقع المتصدر للبحر المتوسط والمطل على أغلب أوروبا، ناهيك عما تحظى به من احترام لدى الجيران، وحتى في البيئة الدولية بشكل عام.

وأضاف أن تركيا توظف علاقاتها بالجزائر لكون الأخيرة سوقا مهمة -سواء في عدد السكان أو فيما تمتلكه من ثروات طبيعية قابلة للاستثمار- وذلك من خلال استغلال الإرث الثقافي المشترك، وهو ما تجسد في تكفل تركيا بترميم بعض المعالم الأثرية الشاهدة على ازدهار تلك الفترة في الجزائر، على غرار مسجد كتشاوة، إضافة إلى الانفتاح الذي تعرفه الجامعات التركية لصالح طلبة المغرب العربي وخصوصا الجزائريين.

زر الذهاب إلى الأعلى