مقالات و أراء

هل ستتحالف تركيا مع إيران للوقوف بوجه العقوبات الامريكية ؟

تصاعدت الخلافات التركية الأمريكية في السنوات الأخيرة، مما جعل انقرة تنتهج سياسة تقويض الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والتي تستهدف عزل إيران والحد من تدخلاتها في شؤون الدول العربية، وتحديداً دول الخليج العربي التي تتهم إيران بزعزعة أمن المنطقة ،من خلال وقوفها مع الحوثيين في اليمن وتزويدهم بالسلاح والصواريخ التي تستهدف المملكة العربية السعودية، ودعمها لجماعات شيعية في العراق والبحرين،والوقوف خلف عملية استهداف السفن التجارية وناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، حسب ما كشفت عنها ملفات التحقيقات في القضية التي تسلمها مجلس الأمن من الدول المشاركة بالتحقيق الذى تقوده الإمارات، وكان آخرها هو استهداف منطقتين لأنتاج النفط ” أرامكو” في بقيق بالسعودية،   

 

العقوبات الأمريكية التي تم فرضها بصورة متزامنة على كل من إيران وتركيا، مراد بها هو تحجيم القوتين الإقليميتين وفرض عزلة إقليمية ودولية عليهما، مما جعلهما يتجهان للتحالف لمواجهة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما قد ينعكس على سياستيهما إزاء العديد من الأزمات الإقليمية وعلى رأسها الأوضاع في سوريا والعراق والخليج ومجمل المشرق العربي رغم الخلافات في وجهات نظر الدولتين بمجمل أوضاع المنطقة. فبالرغم من ان تركيا تجاوزت خلال الشهور الماضية مستوى المناوشات والتوترات الدبلوماسية العابرة من تهديد للمصالح الأمريكية ومعارضتها لسياستها من خلال تعاونهما المشترك في سوريا وتسيير الدوريات المشتركة، ولكن يبقى التساؤل حول مستقبل العلاقة بينهما بعد شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية وامتناع الولايات المتحدة من تزويد تركيا بمقاتلات أف ـ35، وكذلك مستقبل عضوية تركيا بحلف الناتو أمام إصرار أنقرة على امتلاك منظومة أسلحة تهدد الحلف؟               

             

وفى أول مؤشر على معارضة تركيا للسياسة الأمريكية تجاه إيران، كان إعلانها عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني، والتي حذرت الولايات المتحدة من فرض عقوبات على الدول والكيانات والأشخاص الذين يخرقون حظر استيراد النفط الإيراني، لتستكمل الولايات المتحدة اتخاذ خطوات أكثر تشدداً تجاه تركيا بإعلانها إيقاف الاستثناء المؤقت لتركيا ودول أخرى من العقوبات المفروضة على قطاع النفط الإيراني، حيث يعتمد الاقتصاد التركي على النفط الإيراني، وتعتبر تركيا الباب الخلفي للصادرات والواردات الإيرانية وهذا يوفر مكسباً كبيراً لأنقرة من خلال مساعدة الشركات والقطاعات الاقتصادية التركية على الالتفاف حول العقوبات الأمريكية لعقود وجني منافع كبيرة من وراء ذلك، مما يشكل تحدٍ للإدارة الأمريكية، حيث تشير التقديرات إلى أن ” إيران قد حصلت على نحو 20 مليار دولار أمريكي من خلال تركيا في أكبر مخطط للتهرب من العقوبات في التاريخ الحديث، مما أعطى فكرة عن مدى فاعلية تركيا في مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأمريكية”.                

 

من كل الذي أوردناه أعلاه وبشكل مختصر تؤكد العديد من تقديرات الموقف أن إعلان التحالف الإيراني ـ التركي الوشيك ضد العقوبات سيمثل تهديداً للمصالح الأمريكية وربما يدفع العلاقات الامريكية مع تركيا إلى حالة من العداء الغير المسبوق، وقد ذكر احد الدبلوماسيين الاتراك في مقالة له على مجلة ” ناشيونال إنترست ” الأمريكية: أن التطورات الأخيرة في العلاقات الأمريكية التركية المتوترة تقوض استراتيجية واشنطن لعزل إيران من خلال فرض العقوبات عليها، وتوقع هذا الدبلوماسي التركي أن تتجه بلاده وإيران للتحالف ضد الولايات المتحدة، لتكون هذه هي المرة الأولى التي تكسر فيها واشنطن التقليد المتبع ” بعدم مواجهة تركيا وإيران في نفس الوقت”.                              

                                         

واعتبر تحليل المجلة الأمريكية أن التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا أصبح عالقاً في دوامة التراجع والانهيار المستمرين خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تغيير الموقف التركي الذي فصلها عن الولايات المتحدة.     

وقال السفير التركي السابق محمد بهادر جول، الباحث الزائر بجامعة كولونيا: إنه في الوقت الذي تدعم فيه دول المنطقة وحلفاء واشنطن الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، فإن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تقف بوجه السياسة الأمريكية ضد إيران.

وذكر التحليل أن الحروب في الدول المحيطة بتركيا، التي تدخّل فيها نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد غيّرت سياستها تجاه إيران من خصمين إقليميين تقليديين إلى حليفين محتملين، و بغض النظر عن قوة النظام في تركيا ، فإن تركيا لديها مخاوف استراتيجية لا حصر لها حول الوضع في إيران، فقد استنزفت الحرب في سوريا الكثير من مواردها وأضعفت حدودها، وان عدم الاستقرار في إيران يشكل كابوساً في تركيا، حيث تستضيف تركيا الملايين من اللاجئين السوريين على اراضيها ، وإن لم تستطع الولايات المتحدة تهدئة علاقاتها مع تركيا وتحفيز التعاون التركي من خلال القضاء على الآثار السلبية لعقوبات إيران على الاقتصاد التركي، فعندئذ يجعل تركيا ان تعمل مع طهران لتقويض عزلة الأخيرة.                                                                      

 

ونشير إلى الزيارات الثنائية الرفيعة المستوى بين تركيا وإيران في الفترة الأخيرة، ومحاولة البلدين إيجاد أرضية مشتركة تساعد فيها تركيا إيران في التغلب على تداعيات العقوبات الأمريكية، وبالتالي تستخدم إيران نفوذها في سوريا لتخفيف مخاوف تركيا.

 

الدكتور عبدالسلام ياسين السعدي – تركيا الآن

زر الذهاب إلى الأعلى